والخلاصة في هذا الباب: أن مصر الآن من الوجهة الداخلية أصبحت أمورها بيد أبنائها، وأنها ستصبح في القريب العاجل ذات نظام دستوري على أحدث النظم العصرية.
ولم يبق علينا إلا أن نقنع إنكلترا أن ليس بها من حاجة إلى التمسك بالضمانات التي تريد الاحتفاظ بها، فتخطو بريطانيا العظمى خطوة أخرى بالاكتفاء بما لا يتنافى منها مع استقلالنا الشرعي.
أيها السادة؛ ليس لدينا وسيلة لتأييد ما نذهب إليه أكبر من تعلقنا بأهداب السكينة، والتزامنا الهدوء، وأخذنا بأسباب النظام؛ فإن حجتهم الكبرى في ما يبدونه من رغبة في الضمانات هي شدة حذرهم على مصالحهم، وخوفهم عليها، وعدم اطمئنانهم في تركها لعهدتنا، فإذا قضينا على عوامل الفتنة والاضطراب، وجعلنا التزام السكينة رائدنا؛ فإننا نثلم هذا السلاح بأيديهم وندفع حججهم علينا، ولا مشاحة في أن كل من يعمل على تعكير السلام أو إثارة الاضطراب مجرم في حق وطنه عامل على هدم كيانه.
على أن خصومنا السياسيين لا يرون أننا فعلنا شيئا، أو أن الوثائق الجديدة تحوي أمرا جديدا، وأن إلغاء الحماية وإعلان الاستقلال وتبليغه للدول واعتراف هذه الدول به، وإدخال النظام النيابي الكامل، وتقرير مبدأ مسئولية الوزارة أمام البرلمان، كل هذا لا يعد شيئا مذكورا في نظر بعض الناس متى جاء على يد خصومهم.
لا غرابة في ذلك، فإن للاعتبارات الشخصية عند البعض مقاما فوق كل مقام؛ تقولوا علينا الأقاويل، وأذاعوا عنا ما أذاعوا في طول البلاد وعرضها، وزعموا أن الوزارة ستتعرض لحرية الانتخابات، وأن البرلمان سيكون ألعوبة في يدها. من أين أتاهم علم الغيب؟ ومن أين جاءهم أنها ستعمل ذلك؟ وأية مصلحة لها في أن لا تتعرف من الأمة إلا رأيا فاسدا لا يتفق ورأيها الصحيح؟
لقد نسوا أنهم بهذا يرمون أمتهم بأقبح التهم، وينسبون إليها أنها تنقاد كالأنعام، وتستسلم استسلاما أعمى للحكام حتى فيما يعود على الوطن بالتلف والمذلة.
لقد نسوا أو تناسوا أيها السادة أننا أشخاص زائلون، وأننا لن نبقى متربعين في دست الأحكام إلا برهة من الزمن، ثم نخلي السبيل لغيرنا، أما النظام الدستوري فهو نظام ثابت دائم، وهو أتم ما وصل إليه الناس إلى اليوم لتمثيل الأمة أحسن تمثيل، وللإشراف على الحكم باسمها، سنذهب نحن أما النظام فسيبقى. وعجيب أن رجالا يتولون الحكم زمنا قصيرا يعملون على تحقيق مثل هذا النظام الصالح لكي يجعلوه أداة في يدهم وسلاحا يشهرونه في وجه خصومهم.
أيها السادة لن تكون الانتخابات سرا مكتوما فستشتركون جميعكم فيها؛ بل يشترك فيها كل مصري له حق الانتخاب، وستذاع أخبارها وتتناقلها الأفواه، وسترون بأنفسكم أن الحكومة بريئة مما يتهمونها به، وأن هذه التهم وليدة الظن الأثيم.
إنني أعتقد أن تحقيق النظام البرلماني لصحيفة فخار - ولو أن الفخر كله في الأمة وإليها - فلن يبلغ بنا سوء الرأي إلى تسويد هذه الصحيفة بمثل ما ينسبون إلينا من التداخل المعيب، فلا تصغوا أيها السادة إلى ما يقولون ويعيدون، واحكموا بما سترون لا بما تسمعون، وإني أجاهر لكم - وهل أنتم في حاجة إلى مثل هذه المجاهرة - بأن الانتخابات ستكون حرة بعيدة عن عوامل التأثير وإفساد الضمائر.
كذلك أخذ خصومنا علينا عدم إلغاء الأحكام العرفية حالا.
Unknown page