والحق أن نفوذ ذلك المؤتمر العام قد تضاءل بعد الصلح حتى كاد ينعدم، وذهب ذلك الاتحاد بذهاب الغرض من إقامته وهو المفاوضة، كسلطة لها حق البت فيما يهم الجميع.
وصارت كل ولاية حرة فيما تأخذ أو تدع من الشئون، ولكن الحال ما لبثت أن أوجبت الاتحاد؛ فلقد أخذ يدب الخلاف بين بعض الولايات وبعض في مسائل كثيرة؛ كالدين العام ونظام الاسترقاق، وإعانة الجند الذين سرحوا حسب شروط الصلح، والالتزام بما يخص إنجلترة من حقوق وفق المعاهدة، حتى لقد باتت إنجلترة تخشى من سوء الحال، وتندد بعدم وجود سلطة مسئولة عن تنفيذ ما تم التعاهد عليه.
وكان كثيرون من بعيدي النظر يرون أن لا صلاح للولايات إلا أن يشملها نظام تسهر عليه سلطة مركزية، ومن هؤلاء وشنطون بكل الاستقلال؛ لذلك دعوا إلى عقد مؤتمر للنظر في هذه المسألة، وشهدت مدينة فيلادلفيا اجتماعا كبيرا كتلك الاجتماعات التي رأتها قبل الاستقلال، وكان زعيم المؤتمرين هذه المرة كذلك وشنطون.
وكان عمل المؤتمرين شاقا؛ إذ كان هناك من يغالون فيما سموه حقوق الولاية، فأخافهم التفكير في إقامة اتحاد عام ظنوا أنه يسلب الولايات حريتها في العمل.
وبلغ من صعوبة العمل أن حار المؤتمر بين أمرين: أيمضي إلى إقامة نوع من التعاهد بين الولايات على أساس أن كلا منها سلطة مستقلة، كما يكون التعاهد بين الدول، تجاورت أو تباعدت، أم يضم الولايات كلها في نطاق واحد ويجعل منها أمة واحدة؟
ورأى بعد طول حيرته أن كلا الأمرين مردود؛ فأولهما لا يفي بالغرض في الظروف القائمة، وثانيهما في عداد المستحيلات.
وانتهى الرأي أخيرا إلى إقامة سلطة مركزية في شكل دولة تعاهدية، ونص الدستور الذي وضعه المؤتمرون على أن تبقى كل ولاية حرة في شئونها الداخلية، ولا تتدخل السلطة المركزية إلا في مسائل الضرائب العامة، وفيما يتطلبه الدفاع الحربي عن الجميع، وفي مسائل المواصلات والبريد وأشباهها من الشئون التي تمس الولايات جميعا.
واختير وشنطون سنة 1789 رئيسا لهذه السلطة المركزية، وهي حكومة الولايات المتحدة وفق هذا الدستور. ونص الدستور على أن تكون مدة الرياسة أربع سنوات، يجوز بعدها إعادة نفس الرئيس الذي خلت مدته إذا شاء الناخبون، ويقوم إلى جانب الرئيس نائب الرئيس، وهو كذلك ينتخب لمدة أربع سنوات، ويتولى سلطة الرئيس في حال وفاته أو اعتزاله لأي سبب حتى ينتخب الرئيس الجديد.
وتنحصر السلطة التشريعية للاتحاد في مجلسين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ويختار أعضاء كل منهما من الولايات بطريق الانتخاب، ويتألف منهما مجتمعين مجمع عام يسمى الكونجرس، وينبغي أن ينعقد مرة في السنة على الأقل، ويدعى إلى الانعقاد بعد ذلك إذا دعت الضرورة.
ويتولى الرئيس السلطة التنفيذية بعد أن يقسم أمام الكونجرس على الولاء للدستور، ويصبح الرئيس الأعلى للقوات البرية والبحرية للاتحاد وكذلك لقوات الولايات المختلفة إذا اشتركت فعلا في حرب من أجل الاتحاد، وله بمشورة مجلس الشيوخ وموافقته سلطة تعيين الوزراء والسفراء والقناصل والقضاة في المحاكم العليا وغيرهم من كبار الموظفين، كما أن له حق الإشراف على أعمال الوزراء أو غيرهم من كبار رجال السلطة التنفيذية، فيراجع أعمالهم ويطلب إليهم تقديم التقارير الشفوية أو الكتابية عما يرى من الشئون.
Unknown page