بمجرد أن انتفضت السيارة للأمام، أدرك ثيو أن رولف سيقود بسرعة جنونية. نظر إليه، وتساءل في نفسه إن كان يجرؤ على المخاطرة بتحذيره، آملا في أن يتحسن الطريق فلا يحتاج إلى ذلك. في ضوء المصابيح الأمامية الأبيض، بدا الطريق المليء بالنتوءات مفزعا وغريبا كسطح القمر؛ إذ كان يبدو في آن واحد قريبا، وبعيدا ولا نهائيا على نحو غامض. كان رولف يحملق خلال الزجاج الأمامي للسيارة بتركيز شديد كأنه سائق يخوص سباقا على الطرق الوعرة، وكان يدير عجلة القيادة بحدة كلما ظهر أمامه في الظلام عائق جديد. كان من شأن الطريق المليء بالحفر والشقوق والنتوءات أن يكون خطيرا حتى لو كان قائد السيارة سائقا ماهرا. أما في ظل قيادة رولف العنيفة، فقد كانت السيارة ترتج وتترنح، ويتمايل معها الركاب الثلاثة المحشورون في المقعد الخلفي.
جاهدت ميريام لتميل إلى الأمام وقالت: «على رسلك يا رولف. هدئ من سرعتك. هذا ليس جيدا لجوليان. أتريدها أن تلد ولادة مبكرة؟»
كان صوتها هادئا، لكنه يحمل سلطة مطلقة، وأتى بثماره على الفور. للتو، رفع رولف قدمه قليلا عن دواسة الوقود. لكن الأوان كان قد فات. فقد ارتجت السيارة وانتفضت وانحرفت بشدة، ولثلاث ثوان دارت خارجة عن السيطرة. ضغط رولف بقوة على دواسة المكابح فتوقفت السيارة بانتفاضة.
قال بصوت خافت: «تبا! لقد ثقب أحد الإطارين الأماميين.»
لم يكن ثمة جدوى من تبادل التهم. فك ثيو حزام أمان مقعده. «يوجد إطار احتياطي في صندوق السيارة. لنخرج السيارة عن الطريق.»
نزلوا من السيارة ووقفوا في ظلال حاجز الطريق المعتمة بينما توجه رولف بالسيارة إلى حافة الطريق العشبية. وجد ثيو أنهم وسط الريف الممتد، على بعد حوالي عشرة أميال من ستراتفورد حسبما ظن. على كلا الاتجاهين كان يمتد حاجز غير مشذب من شجيرات عالية متشابكة يتخللها فراغات يرى من خلالها حواف الحقل المحروث. وقفت جوليان، ملتحفة بعباءتها، في هدوء وصمت، كطفل وديع أخذه والداه في نزهة ويقف بصبر في انتظار أن يحل الكبار مشكلة بسيطة.
كان صوت ميريام هادئا، لكنها لم تستطع إخفاء نبرة القلق التي تخللته. «كم سيستغرق الأمر؟» كان رولف يتلفت حوله. قال: «حوالي عشرين دقيقة، أو أقل إن حالفنا الحظ. لكن سنكون في أمان أكثر إن خرجنا عن الطريق؛ إلى موضع لا يرانا فيه أحد.»
ودون أي تفسير، انطلق يسير بخطوات سريعة. وقفوا منتظرين يتابعونه ببصرهم. عاد خلال أقل من دقيقة. «على بعد حوالي مائة ياردة جهة اليمين يوجد بوابة ودرب وعر. يبدو أنهما يؤديان إلى أجمة من الأشجار. سنكون بأمان أكثر هناك. من المفترض أن هذا الطريق غير سالك لكن إن استطعنا نحن أن نسلكه، فلن يعجز غيرنا عن ذلك. يجب ألا نخاطر بأن يتوقف أحد الحمقى ليعرض علينا المساعدة.»
عارضته ميريام قائلة: «كم يبعد؟ لا نريد أن نبتعد أكثر من اللازم، كما أن ذلك سيكون حملا على الإطار.»
قال رولف: «يجب أن نتوارى عن الأنظار. فلست واثقا كم سيستغرق الأمر. يجب أن نختفي تماما عن مرأى من يسير في الطريق.»
Unknown page