340

Al-radd al-qawīm ʿalā al-mujrim al-athīm

الرد القويم على المجرم الأثيم

Publisher

الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٠٣ هـ

Publisher Location

الرياض - المملكة العربية السعودية

Genres

الوجه الثالث أن يقال الذي نص عليه الإِمام أحمد رحمه الله تعالى أن الإِسراء كان يقظة هو القول الصحيح، قال النووي في شرح مسلم نقلا عن القاضي عياض أنه قال اختلف الناس في الإِسراء برسول الله ﷺ فقيل إنما كان جميع ذلك في المنام والحق الذي عليه أكثر الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده ﷺ، والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل ولا استحالة في حملها عليه فيحتاج إلى تأويل انتهى.
وقال ابن كثير في تفسيره الأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناما ولا ينكرون أن يكون رسول الله ﷺ رأى قبل ذلك مناما ثم رآه بعده يقظة لأنه كان ﵇ لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، والدليل على هذا قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام فلو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظما ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضًا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال (أسرى بعبده ليلًا) وقال تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال ابن عباس هي رؤيا عين أريها رسول الله ﷺ ليلة أسري به، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، رواه البخاري، وقال تعالى (ما زاغ البصر وما طغى) والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضا فإِنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان إنما يكون هذا للبدن لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه والله أعلم انتهى.
وقال ابن كثير أيضًا في «البداية والنهاية» مذهب جمهور السلف والخلف أن الإِسراء كان ببدنه وروحه صلوات الله وسلامه عليه كما دل على ذلك ظاهر السياقات من ركوبه وصعوده في المعراج وغير ذلك انتهى.
وأما قوله وفي البخاري من حديث شريك أن الإِسراء كان مناما
فجوابه أن يقال قد تكلم العلماء في رواية شريك، قال النووي قد جاء في رواية شريك في هذا الحديث أوهام أنكرها عليه العلماء وقد نبه مسلم على ذلك بقوله فقدم وأخر وزاد ونقص، وقال الحافظ عبد الحق في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد

1 / 339