80

...

سلسلة إيمانيات

Genres

مراحل تحدي الله للمشركين أن يأتوا بمثل القرآن لما نزل القرآن على قلب النبي ﷺ في بيئة البلاغة والبيان؛ اتهموا النبي ﷺ بأنه جاء به من عنده، وأنه من نظمه وكلامه، وقالوا: هذا كلام عادي؛ فتحداهم ربنا ﷾ أن يأتوا بقرآن مثله، فقال سبحانه: ﴿قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء:٨٨] أي: ولو ناصر وظاهر وساند بعضهم بعضًا؛ فلن يتمكنوا أبدًا من أن يأتوا بمثل هذا القرآن. وهو ﷾ تحداهم ابتداءً بقرآن مثله، فلما كان التحدي عسيرًا، وكان الأمر شاقًا جدًا خفف الله ﷿ التحدي، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط، فقال سبحانه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ [هود:١٣]، من باب الذم على ما يقوله الخصم؛ لإقامة الحجة عليه، أي: أنتم تزعمون أن محمدًا ﷺ قد افترى هذا القرآن وأتى به من عند نفسه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) أي: افتراه المصطفى ﷺ؛ (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ)، فعجزوا. فخفف الله التحدي إلى أقل صور التخفيف، فتحداهم أن يأتوا بسورة، فقال سبحانه: ﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة:٢٣-٢٤] و(لن) مستقبلية ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:٢٤] . فمصدرية القرآن دليل على إعجازه، ولذلك من أبلغ ما قاله جماهير المفسرين في الأحرف المتقطعة في أوائل السور، كقوله تعالى في أول سورة البقرة: ﴿الم﴾ [البقرة:١]، وكقوله تعالى: ﴿كهيعص﴾ [مريم:١]، وكقوله تعالى: ﴿حم * عسق﴾ [الشورى:١-٢] إلى آخر هذه الأحرف المتقطعة التي استفتح الله بها بعض سور القرآن الكريم؛ إن أعظم ما قيل في معناها -وهو قول جماهير المفسرين- إنها أحرف متقطعة من حروف اللغة العربية التي يتحدث بها أهل البلاغة والبيان في مكة، وإن القرآن مكون من هذه الأحرف، فإن كنتم تزعمون أن محمدًا ﷺ قد أتى بهذا القرآن من عند نفسه، فهاهي أحرف القرآن من لغتكم؛ فائتوا بقرآن مثله.

8 / 4