سادات قريش يشهدون للنبي ﷺ بالصدق
وفي آية غريبة عجيبة فريدة في القرآن الكريم يبين لنا ربنا جل وعلا أن نبيه صادق، وأنه لو ادعى شيئًا على الله لم يوحه الله إليه لقطع الله ﷿ منه الوتين، انظر إلى ما يقول رب العزة: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة:٤٤-٤٧]، فلا يستطيع أحد أن يحول بين الله وبين ما يريد، فهو الفعال لما يريد في أي وقت يريده على الوجه الذي يريد جل وعلا، فالله ﷾ هو الذي يشهد لنبينا ﷺ بالصدق في كل ما بلغه عن ربه ﵎، بل ستعجب أشد العجب حين تعلم أن الكفار والمشركين كانوا يعلمون يقينًا ويعترفون اعترافًا صريحًا بصدق النبي ﷺ.
خلا يومًا الأخنس بن شريق مع أبي جهل بن هشام، فـ الأخنس يقول لـ أبي جهل: يا أبا الحكم! نحن لوحدنا لا أحد يسمعنا، أستحلفك بالله: أمحمد صادق أم كاذب؟ وأبي جهل هو أشد أعداء النبي ﵊ عداوة له، فقال أبو جهل للأخنس بن شريف: ويحك يا أخنس! والله إن محمدًا لصادق لكنها الدنيا والكبر والرئاسة والزعامة.
فنزل قول الله جل وعلا: ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام:٣٣]، فما منعهم إلا الجحود والإنكار والكبر، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات:٣٥-٣٦]-بأبي هو وأمي وروحي- نترك آلهتنا لهذا الشاعر المجنون! يريدون بذلك النبي ﷺ، فالله جل وعلا هو الذي يشهد لنبيه بالصدق، ويا لها -والله- من شهادة، وأهل الكفر يشهدون للنبي بالصدق.
وهل نسيت أنهم أول من لقبه بالصادق الأمين في مكة قبل البعثة؟ وذلك لما اختلفت قريش في وضع الحجر، فدخل عليهم الصادق الأمين، فاتفق عليه البرلمان الشركي بالإجماع، ولقب بالصادق الأمين قبل البعثة، أفبعد أن بعثه ربه جل وعلا من فوق سبع سماوات صار يكذب بعد ذلك على الله أو على خلقه؟! هذا محال، ولذلك ما وصل الصديق إلى ذروة سنام الصديقية إلا لما اطمأن قلبه إلى صدق النبي ﷺ في كل ما يخبر به عن ربه، كان إذا أخبر عن النبي بشيء يقول: أوقد قال النبي ﷺ ذلك؟ هذه هي القضية، أريد أن أعرف فقط هل النبي قال أم لم يقل؟ فإن أخبر بأن النبي ﷺ قاله قال: إن كان قد قال ذلك فقد صدق.
قضية محسومة؛ لأنه صادق مفطور على الصدق بأبي وأمي ﷺ، فلا بد من أن نؤصل لصدق حبيبنا ونبينا بهذا التأصيل الذي شهد بصدقه الله، وشهد الكفار والمشركون في زمانه بصدقه، بل وما أخبر النبي ﷺ عن شيء إلا ووقع بمثل ما أخبر به الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، ولم يختلف إخبار النبي ﷺ عن الواقع مرة واحدة، وإلا لطار المشركون والمستشرقون بذلك في الشرق والغرب والشمال والجنوب.
يقول تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد:١] هذه السورة نزلت على النبي ﷺ في أخطر الأوقات، في الوقت الذي أعلن فيه أبو لهب عداءه السافر للنبي ﷺ ودينه، فقال: تبًا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟ فنزل قول الله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد:١] .
جاءت أول لحظة فقام النبي ﷺ فيها ليبلغ عن الله لما نزل قول الله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر:٩٤]، وارتقى النبي جبل الصفا ونادى على بطون قريش وقال فيهم: لو أني قلت لكم: إن هناك خيلًا وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم فهل كنتم مصدقي؟! قالوا: ما جربنا عليك كذبًا قط، قال: فإني رسول الله إليكم، فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟ فنزل قول الله تعالى، وقرأ النبي السورة، فلو لم يكن كلام النبي ﷺ هو الصدق بعينه لاتهم أبو لهب النبي ﷺ بالكذب وقال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا محمد يتهمني بأنني من أهل النار، وبأنني لست على دينه، وها أنا أشهد أن محمدًا رسول الله! ولم يحدث هذا؛ لأن الرسول ﷺ صادق في كل ما يخبر به عن ربه ﵎، فما أخبر بشيء إلا وقع بمثل ما أخبر به في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل.
9 / 8