تدافعت الجماهير في الشوارع المؤدية إلى حديقة الأزبكية لحضور المهرجان الأكبر، فهل من باحث يهتدي إلى الشيخة وسط العباب البشري المتزاحم؟
فقدك بصري، ولكني لا أفتأ أتحزن لك، أيتها الطريدة، إلى أين تذهبين؟ أتقصدين إلى جمعية خيرية كلهن الليلة موصدات الأبواب؟ أم تطرقين باب كريم وكرام البشر لا يعبئون بغير لطيف الجمال أنيق الهندام؟ أم تهجعين في مدخل منزل عظيم والناس كالشرطة يعتبرون من لا منزل له لصا متشردا؟ أم تبكين كما رأيتك باكية، وتمدين يدك المرتعشة للتسول فيعرض عنك الفرحون؛ لأن نائحا يعكر صفو الأنس مكروه بحق! أم تستنهضين همة صديق ولست بالشابة المليحة ليتحمس لك المتحمسون، ولا بالوجيهة القديرة ليتقرب إليك المتقربون؟ أم أنت وطدت النفس على زيارة النيل السخي الذي يجود ولا ينتظر وفاء، فتجدين من أمواجه صدرا لينا، ومن أمواهه عطفا عذبا، وتباركين موتا احتضنك عندما نبذتك الحياة. •••
أيا كانت وجهتك، قفي قليلا لأودعك.
نظري بعيد عنك، وإنما هو حائم حولك، وتتبعك شفقتي الدامية، تتبعك روحي المتفطرة معك.
روحي المتفطرة تعانقك، أيتها المسكينة، أشاعرة أنت بوجودي؟ أنا الفتاة أستطيع أن أكون لك لحظة أما، أيتها الشيخة الطريدة. أنت الآن ككل سقيم تحتاجين إلى حنو الأم، وما كان كل ذي أم نائلا من الحياة حنوا! سأهمس في مسمعك كلمات حلوة لا تعرف سرها سوى شفاه المظلومين، وسأمسح عبراتك بأنضر ورود البستان، ثم أهدي الوردة وما امتصته من لآلئ القلب إلى آلهة العبرات والأشجان.
لا تشكي الوحدة، فإخوانك الأشقياء كثير، ولا تندبي حظك فأنواع العذاب جمة، وصنوف الذل لا تحصى. لست بالقبيحة ما كان لك جمال اليأس الرائع، ولا أنت بالعجوز ما ظل منها البكاء فيك فتيا كما كان منذ فجر العالم.
فيك يتجلى الليلة الفرد الجوهري بينا الفرحون يمثلون الفرد المجازي. أنت الذات الجليلة المفجعة وهم الذات الهزلية الطائشة. أنت الحقيقة الناضجة وهم الوهم الخالي. أنت قطرة الحزن التي توازي بحر السرور؛ لأن وراء اللهو والجزل فراغا وخلوا، ووراء الحسرة والقنوط نفسا زاخرة بالعواطف، متسعرة بالحرق، روية بالدموع يتناظر في غورها جبارا الحياة: الممكن والمستحيل.
صوتان اثنان يناديان المرء من سحيق أقطاب الحياة: صوت السعادة وصوت الشقاء، فينطلق يعدو والسعادة وجهته، على أن صخور الوعر تهشم قدميه، وأشواك القتاد تدمي يديه، وتأوه الثكل والوادع يفطر لبه، وتجهده المسئولية في معترك الأعمال فينسى السعادة بين الشفقة والنضال؛ لأن الشقاء حقيقة والسعادة خيال.
عاملان اثنان يتجاذبان الجنان: الحزن والسرور، على أن قطرة حزن في عمقها ترجح بحر سرور في اتساعه.
الطبيعة المعمرة المدمرة
অজানা পৃষ্ঠা