أنوار المرقص هناك عيون تناديني، وفي كل من قدمي جناحان يحثانني على الرقص قبل الوصول. يا لطول الطريق المتشعبة في الدجى! يا لطول الطريق! ويا لهول الطريق! أليس من هاد يهديني بين جماهير السائرين؟ •••
جاءني خيال سائلا وفي صوته لهجة المتأدب: إلى أين تقصدين؟
قلت: أرأيت القصر العظيم الذي تتهامس في صدره أسرار الألحان، ونوافذه ألحاظ أنوار تناديني؟ أرأيت القصر العظيم؟ إنما إليه أقصد لأنه مرقص الحياة.
قال: وما عملي إلا قيادة الناس إلى المرقص، قيادة من شاء من السائرين.
قلت مبتهجة: أصحيح ما أنت قائل؟ ومن أنت إذن لتفعل ما أنت فاعل؟
قال يقدم نفسه: أنا الغريب. أنا الغرباء. أنا التاجر والطبيب والمهندس والمحامي والنائب والحاكم. أنا العامل والخادم، والباني والهادم، وأنا المتهم والقاضي. أتعاطى جميع الحرف، وأعمل للناس وهم لي يعملون. أخدمهم في بابي ليكون كل منهم لي في بابه خادما. أقدم لهم ما لا يحصلون عليه بدوني، وأعقد فيما بينهم بروابط لولاها ما تبودلت فائدة، ولا اشترك في منفعة. أنا الغريب الذي تجعله المصلحة قريبا لكل غريب.
قلت: عرفتك يا سيدي. هذا سواري أعطيكه فقدني نحو مرقص الحياة.
في مركبة الغريب سرت مسافة طويلة، قطعنا جبالا وأودية لم أر منها الصعاب، ولم تتعثر قدمي فيها بالصخور، وإذ وصلنا سلسلة الأطواد المتساندات في حدود الأفق، ودعني الغريب لأن مركبته لا تستطيع المسير، ودعني الغريب ومضى. •••
دار المرقص اقتربت منها قليلا، ولكن بيني وبينها سلسلة الأطواد المتساندات. رأيتني وحدي، فلذعني البرد، وهددتني دياجير الآفاق، وشاكتني أشياء لم ألمسها بيدي. وإذا خيال يقترب متعمدا مماشاتي، فوقفت واجفة وسألت: من أنت الذي تعترضني في طريقي؟
أجاب وفي صوته شر واستهزاء مهين: من أنا؟ أنا الدياجير المهددة، وأنا الأشياء الشائكة في الظلام. أنا النميمة والاغتياب والوقاحة والشراسة والامتهان. أنا الشفة التي تبتسم هازئة لأن وراءها أنيابا تنهش نهشا . أنا اليد التي تضرب لتثأر بلا ثأر. أنا القلب الذي يكظم الحقد والضغينة بسبب وبلا سبب. أنا الكيد والغيرة والخبث والحسد، وأنا الذم القبيح المختبئ وراء شهد التمليق وتكلف السكوت. أنا العدو. أنا الأعداء.
অজানা পৃষ্ঠা