في كل ذرة من ذرات الكون ظمأ لارتواء خمرة الحياة، وشوق مبرح للنمو وبلوغ أكمل الحالات الممكنة. فما غاية هذا الشوق؟ ولماذا وجد ذلك الظمأ؟ إذا كان الفناء كعبة الكمال ونهايته؟
أتلاشى ما كان في طائري من أنس وإيناس؟ أضاعت نفسه الصغيرة الحلوة في الأثير كما امتزجت تغاريده بأمواج الهواء وعناصر جسمه بالتراب والماء؟ أم هو يحفظ جوهر ذاتيته ويظل هو هو في مجاهل الفضاء؟
علام وجد؟ ولماذا قضى؟
ألهذا الفناء ترقى نوعه حتى صار طائرا غريدا؟ أعاش يوما وكان من نصيبي لكي يطربني ثم يوحشني، يزيل كآبة نفسي حينا ثم يتركني حائرة في أمره وأمري؟
أين الحكيم يكشف لنا هذه السرائر ويزيح الستار عما في الحياة من الغوامض؟
وأنتم أيها الموتى، أطيارا كنتم أم بشرا، ألا تنطقون مرة واحدة لكي تفضوا إلينا بما طوي من الأسرار وراء حجب الردى؟ ألا تهمسون في نفوسنا بالكلمة الأولى من اللغز الأزلي السرمدي الكامن في ضمير الوجود؟
نحو مرقص الحياة (1)
... ولما انتهى دور الوقوف في الكوة وجدتني بين الجماهير ووجهتي مرقص الحياة، جاهلة من ذا يسيرني وإياهم، وبأي دافع هم يسيرون، فتناولني حينا دوار الاختلاط بالجمع الكبير، إلا أن الشخصية العامة لم تستول علي فتغرق في قدرتها عجزي، بل بقيت أنا تلك الصغيرة الضعيفة الحائرة وسط المعضلات والرزايا. ولم يفتأ ذلك الوحي المعذب يهمس في سورته، وذلك الاحتياج المتوهج يضرم في ناره، ففهمت أمرا آخر؛ وهو أنه حيث تكون العاطفة متيقظة مرهفة، فهناك النزاع الأليم والاستشهاد، وإذا رافقتها الأنفة وشرف السكوت على مضض الحروق والكروب، فهناك مأساة الصلب تتجدد مع الأيام ...
نحو مرقص الحياة (2)
في ليل مسترخي السدول سرت على شط بحر الأيام مع السائرين، سرت نحو مرقص الحياة في ليلة غار نجمها وادلهم ديجورها؛ على شط بحر الأيام سرت مع السائرين بين ما طمسته عصور، وخلفته عصور، وشادته عصور، على شط بحر الأيام سرت أتلمس سبيلا قريب المنفذ نظيفا أنيقا، لئلا تلطخ الأوحال نعلي الإغريقي الأبيض، وتمزق السموم وريقات زهرة رأسي، زهرة الياسمين التي زنت بها رأسي.
অজানা পৃষ্ঠা