============================================================
نتقل المفهوم المجسد إلى مفهوم مجرد. وهذا الاتساع المجازي للمفردة هو الذي يسمح بنقلها من التجسيد إلى التجريد، كما يسمح بجعلها حاملا للمفهوم الأخلاقي الذي استحدثه الاستعمال الإسلامي.
لكن تطبيق آلية الاشتقاق لا ينبغي أن يقتصر على مفردة واحدة، بل يجب أن يغطي جميع المفردات اللغوية الممائلة، لكي يحظى بالإقرار بوصفه قانونا دلاليا .ا والواقع أن تمديد الاشتقاق لكي يشمل جميع المفردات الاصطلاحية لا يخلو من مفاجآت واعدة، ومغامرات خطرة في الوقت نفسه.
حين تناول أبو حاتم مفهوم "التعبير"، وكان يعني في ذلك الوقت تفسير الأحلام والرؤى وتأويلها، أراد أن يشتق هذا المفهوم المجرد من المعنى المجسد في "اعبور" النهر من ضفة إلى أخرى. وقد لاحظ أن التعبير ينتقل بالحلم من مستوي دلالي ينطوي على رسالة غير واضحة في ذاتها إلى مستوى دلالي متعين قابل للتحقق، تماما كما أن عملية العبور تشتمل على الانتقال بجسد السابح من ضفة من التهر إلى الضفة الأخرى. وهو يسمي المستوى الأول للحلم "المثل" ، ويسمي مستواه الثاني "المعنى". فالمثل هو الغلاف الخارجي للمعنى، الذي يتضمن رسالة الحلم الحقيقية. يقول أبو حاتم: "إن "العبارة" مشتق من "عبر النهر"، إذا جاز من أحد جانبيه إلى الجانب الآخر ، إما بجسر أو قنطرة، أو معبر أو سباحة. وروي عن الحسن البصري قال: اجعل الدنيا قنطرة تعبرها ولا تعمرها. ويقال "عبر الرؤيا" : إذا بين تأويلها، فكأنه عبر من المثل إلى المعنى، كما يعبر العابر من أحد جانبي النهر إلى الجانب الآخر. وكذلك عابر الرؤيا يجوز من "مثلها" إلى "معناها" ، فيكون قد عبرها . ومن لم يحسن أن يعبرها غرق في معناها، لأنه جهل المعنى، بمنزلة من يغرق إذا لم يجذ معبرا ولا قنطرة، ولما يحسن السباحة. والذي يعبرها يعرف تأويلها وما تعقب، فيكون قد جاز "المثل" الى "المعنى" بالمعرفة والعلم، وصار إلى محصوله"(1) .
ولا يخلو تعميم الاشتقاق من مخاطر، ولا سيما في الكلمات ذات الأصول (1) الزينة، مادة (عبارة الرؤيا) .
পৃষ্ঠা ৬০