اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ، القرآن فيه تبيان لكل شيء. علينا أيها القراء الأعزاء التمسك بديننا والثبات على عقيدتنا، وهي: الإيمان بالله واليوم الآخر، والرسل والأنبياء، والكتب السماوية الثلاثة والصلاة والصوم والحج إلى بيت الله. هذه هي المبادئ الرئيسية التي تحمي نسيج المجتمع وتمنع انحرافه وتكبح جماحه، وتكون الفرملة لأي تجاوز، فلا تطغى الغرائز والشهوات وإغراءات إبليس الشيطان على كلمة الله وأحكام القرآن والأخلاق.
وأنا أطالب بحل هذه الجمعية النسوية الخطيرة. إنها مجموعة من النساء المشبوهات، تشجع الردة عن الإسلام، تهدد النظام العام السائد في الدولة. الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للدستور، هذه الشريعة لا تبيح الحرية الجنسية للنساء، فالأخلاق الكريمة والفضيلة مقدمة على الحرية.
توقيع زكريا الخرتيتي
انتهى زكريا الخرتيتي من قراءة عموده الطويل، كانت زوجته بدور تبربش بجفونها نصف المغلقة، ترمقه من تحت الجفون بنصف عين، تريد أن تصرخ في وجهه: يا فاسق يا فاجر، يا مغتصب البنات والأطفال، هل أنت الذي يدافع عن الأخلاق؟
كانت بدور تمسك أذن فنجان الشاي بيدها اليسرى. في يدها اليمني كانت سكينة الجبنة البيضاء، تقطع بها خيارة خضراء، تمتد السكينة في يدها نحو عمود زوجها في الجريدة، تريد أن تقطعه. تتراجع السكينة قليلا إلى الوراء، تتقدم نحو الأمام خطوة أو خطوتين، تريد الدخول في صدر زوجها، يغطيه شعر خفيف أشيب، لونه أبيض بحكم الشيخوخة. تحت المنامة الحريرية الغالية الثمن بحكم ارتفاع المكانة، تهبط السكينة شيئا فشيئا من صدره إلى بطنه، تحت شعر العانة الأشيب المتساقط، يكاد بوز السكينة يلمس رأس قضيبه الصغير المنكمش أسفل البطن، ترتجف السكينة في يدها البضة السمينة، أصابعها القصيرة ترتعش، تريد أن تقطع عموده وقضيبه في آن واحد، يبدو الاثنان شيئا واحدا، يشبه الإصبع الضبابي المطل من وراء السحابة في السماء، إصبع الشيطان أو إصبع الله، كان يتراءى لها في أحلامها وهي طفلة في الثامنة من عمرها، يزحف من وراء الضباب إليها وهي راقدة في سريرها، يزحف فوق عنقها وبطنها، من قمة رأسها إلى بطن قدمها اليسرى، يزحف مثل مسمار صلب، عرفت أنه إصبع الشيطان؛ لأنه يأتي من ناحية اليسار، أما إصبع الله فكان يأتيها من ناحية اليمين. تتراجع السكينة في يدها المرتجفة، تتردد بين الإقدام والنكوص، يسقط فنجان الشاي من بين أصابعها، ينكسر فوق الأرض بصوت مسموع، يرفع زوجها عينيه عن الجورنال، يرمقها بنظرة غاضبة: هذا الفنجان الثمين من النوع النادر، دفعت ثمنه مائة وعشرين جنيها.
يرمق أصابعها القصيرة السمينة المرتعشة، عاجزة عن الإمساك بالقلم، عاجزة عن كتابة أي مقال له قيمة، تحلم بكتابة رواية. تنام معظم الوقت، لا تفعل شيئا إلا الذهاب إلى الطبيب النفسي وابتلاع حبوب الفاليوم.
تحرك بدور جسمها الثقيل من فوق المقعد، تنهض واقفة على قدميها الحافيتين، تمشي فوق الأرض كأنما تمشي في النوم. تدخل قطعة من الفنجان المكسور في بطن قدمها اليسرى، تمد قدمها اليمنى لتدخل فيها قطعة أخرى من الفنجان المكسور، تستشعر الألم اللذيذ مع لذة غامضة مؤلمة، تحملق في دمها السائل فوق البلاط الأبيض، شيء في حمرة الدم يوقظها من النوم، يعيدها إلى الحقيقة، حقيقة الدم النازف من اللحم. تدوس بقدميها الاثنين الإبر المدببة على الأرض، تشبه المسامير، تمشي وتمشي فوق المسامير، تستشعر اللذة مع الألم، اللذة مع الألم، تذوب اللذة في الألم، يذوب الخيال في الحقيقة، يذوب الحاضر في الماضي السحيق، في المستقبل والغيب البعيد، يتراءى لها وجه نسيم يمشي إلى جوارها في المظاهرة الكبيرة، المقلتان الكبيرتان المتوهجتان بالضوء، يحوطها بذراعيه ويهمس في أذنها: سيكون لنا طفلة نسميها زينة الدنيا، أو طفل نسميه زين العالمين، يغير الدنيا والآخرة، وينتهي الظلم والفقر والمرض.
ينحني جسمها القصير السمين فوق بقع الدم على البلاط، يمر الوقت وهي منحنية على الأرض، تحملق في دمها المسكوب. تلامس بطرف إصبعها قطرة الدم، تحس اللسعة فوق إصبعها، لسان من اللهب الأحمر، عيناها مشدودتان إليه لا تتحركان بعيدا عنه، يموج بالحركة والحياة، تغير لونه مع حركة الأرض حول الشمس، أصبح وهجا أزرق أسود في ظلمة الليل، يشبه عيون قطط صغيرة تحملق، عيون أطفال وليدة في العراء تتطلع، عارية من الغطاء إلا السماء، طفلة مولودة فوق الرصيف، مقلتاها كبيرتان زرقاوان سوداوان، ثابتتان في عينيها الليل والنهار، والنهار والليل. كان يمكن أن تتركها وتمضي قبل أن تفتح جفونها، قبل أن ترى عينيها، لكن جفونها انفتحت فجأة، أطلت منها المقلتان الكبيرتان المتوهجتان، نفذت نظرتها كالسهم إلى قلبها تحت الضلوع، شقت اللحم والعظم إلى فلذة الكبد، إلى ثنايا الروح، أصبحت هي الروح، لها حرارة الدم.
ركبت بدور الدامهيري سيارتها، أرادت أن تذهب إلى طبيبها النفسي. أصبح هو صديقها الوحيد، تدفع له في نصف الساعة مائة وخمسين جنيها، الدقيقة الواحدة منها خمسة جنيهات، إن بقيت معه عشر دقائق دفعت له خمسين جنيها. إن احتواها بين ذراعيه وطالت المدة إلى ساعة أو ساعة ونصف، تدفع له مبلغا أكبر؛ لأنه يبذل جهدا أكبر بجسده وقلبه، ليس فقط بلسانه أو الحديث معها، دقيقة الكلام بخمسة جنيهات، دقيقة الحب العذري بسبعة ونصف، دقيقة الحب غير العذري بعشرة، لم يكن الطبيب النفسي يشعر بالحرج حين تضع في يده رزمة الجنيهات. - إنها مهنتي يا بدور مثل مهنتك في النقد الأدبي، هل تشعرين بالحرج حين تتسلمين راتبك كل شهر؟ هل تشعرين بالحرج حين يدفعون لك للمقال الواحد خمسمائة جنيه؟ إنني أخفف عن الناس آلامهم، آلام الجسد والقلب والعقل والروح. وما الفرق بين آلام الجسد وآلام الروح يا بدور، ولماذا يكون الحب الروحاني أسمى من الحب الجسدي؟ إنها مهنتي أحصل منها على رزقي الذي حلله الله لي. - كما حلل لك أربع زوجات يا دكتور. - لا يا بدور، لست من هؤلاء الرجال، لي زوجة واحدة أحبها وأخلص لها، أنا لا أخون زوجتي بهذه الأفعال في العيادة، إنها جزء من المهنة. - لا أفهمك يا دكتور. - أي عمل يتعلق بالمهنة يدخل ضمن بنود شرف المهنة، وجميع المهن شريفة ما دمت لا تضرين الآخرين، حين أحتويك بين ذراعي فأنا لا أضر أحدا، في الوقت نفسه أنا أخفف عنك أحزانك وأعالجك من الحزن. - ما الفرق بين مهنة البغاء ومهنة الطب النفسي؟ - لا شيء، أنا أحترم المومسات أكثر من الزوجات والأزواج الذين يكذبون بعضهم على بعض، الكذب هو العار الوحيد في رأيي، زوجتي تعرف كل شيء عني، وأنا أعرف كل شيء عنها. - ألا تؤمن بالله يا دكتور؟ - الله عندي هو الصدق، وليس أي شيء آخر. - ألا تؤمن بالمصير الذي كتبه الله فوق جبيننا؟
رفع الطبيب كفه ومسح جبينه وضحك : إن كان هناك شيء مكتوب على جبيني، فأنا قادر على أن أمسحه بيدي وأكتب ما أشاء. - أستغفر الله العظيم يا دكتور، هذا كفر. - هل أصبحت عضوا في مجموعة ابن عمك أحمد الدامهيري؟ - لا يا دكتور، لا يمكن أن أفكر مثله، لكني في حاجة إلى الله. - لماذا تحتاجين إلى الله؟ - لأنه يساعدني ضد من يضطهدني، ضد من يظلمني. - من يظلمك يا أستاذة بدور؟ - كل من له سلطة علي، من عميد الكلية في الجامعة إلى زوجي في البيت. - وماذا يفعل الله لهم؟ - لا شيء يا دكتور، لكن ... لكن ... - لكن إيه يا دكتورة بدور؟ - لكن ربنا في الآخرة سيحرقهم في النار. - لا لا يا بدور، أظن أن حالتك النفسية تتأخر ولا تتقدم. كنت أحسن حالا من شهر واحد، أنت في حاجة إلى جلسات كهربية جديدة. - لا لا يا دكتور، إلا الجلسات الكهربية، أنا مستعدة لكل شيء بما فيه الكفر، وبلاش الكهربا على دماغي يا دكتور. - تعرفي مشكلتك إيه يا بدور؟ - إيه يا دكتور؟ - حياتك كانت سهلة، أبوكي وأمك حرموكي من التحدي. - أيوه كان كل شيء عندي، أبويا وأمي حرموني من الحرمان. - حرام عليهم، ربنا لا يمكن يسامحهم. - يعني آمنت بربنا يا دكتور؟ - زلة لسان، يا بدور، خلاص الوقت خلص، لا مؤاخذة، لازم أقفل العيادة وأرجع بيتي لمراتي وعيالي.
অজানা পৃষ্ঠা