يختفي في غرفته يبكي إن ضربه التلاميذ في المدرسة، ينتفض خوفا من الصراصير والجرذان والسحالي، يمشي بين الرجال قصير القامة ضئيل الجسم، يشعر بالنقص بين الذكور، يمتلئ بين الإناث بالغرور، يمشي فوق الأرض بخطوة الزعماء، يرى نفسه محمولا فوق الأعناق.
أخذه التلاميذ يوما إلى المرحاض، خلعوا عنه البنطلون والسروال، وبالمسطرة قاسوا قضيبه بالمليمتر، ضربوه على قفاه، صاحوا ساخرين: ده زمارة؟!
على حائط المرحاض كتبوا اسمه بالطباشير: أحمد الدامهيري أبو زمارة!
تمددت صفاء الظبي فوق الأريكة، عيناها مقلوبتان تحت الجفون، شفتاها ترتعشان، عضلات وجهها متقلصة، كأنما تم تسليط تيار كهربائي فوق رأسها.
الطبيب النفسي جالس إلى جوارها، يحقن في الوريد سائلا مهدئا، يربت كتفها بيده الحانية الناعمة، يهمس في أذنها بصوت الأم: الأزمة خلاص راحت يا صافي، انهيار عصبي خفيف، تعيشي وتاخذي غيره.
يضحك الطبيب النفسي بصوت الأطباء، يرن صدى الضحكة المعدني في الغرفة المغلقة نصف المظلمة، ستائر حريرية فوق النافذة، شفافة رقيقة، تكسب المكان ضوءا حالما، يتأرجح بين الليل والنهار، بين اليقظة والحلم، بين الوعي واللاوعي.
تفتح صفاء الظبي عينيها على صدى ضحكة معدنية جافة خالية من المشاعر كالآلة الحاسبة، آلة معدنية تدق فوق لوح من الخشب أو النحاس، تظنها ضحكة زوجها الماركسي أو الإسلامي، تخلط صفاء دائما بين الزوجين ورجال آخرين مروا بحياتها، كانت لهم هذه الضحكة. انفرجت شفتاها عن صوت متحشرج غاضب: بيتضحك على إيه يا راجل؟ - فرحان إنك مريتي بالأزمة والحمد لله. - أزمة إيه؟
تتسع عيناها المندهشتان حين ترى الطبيب داخل معطفه الأبيض، وهي ممدودة فوق الأريكة مبللة بالعرق، إلى جوارها فوق الأرض جردل كبير تفوح منه رائحة قيء، رأسها ثقيل، لسانها أثقل من رأسها، أطرافها كأنما مملوءة بأكياس من الرمل تحركها بصعوبة. - هو حصل إيه يا دكتور؟ - انهيار عصبي خفيف، انتهى، والحمد لله. - أرجوك يا دكتور بلاش الجملة دي. - جملة إيه؟ - الحمد لله. - يا خبر؟ مش عاوزة تحمدي ربنا؟ - أحمده على إيه يا دكتور؟ - إنه أنقذك من الموت. - إنت يا دكتور اللي أنقذتني، مش هو. - خلاص نسيتي ربنا يا صافي؟ من نص ساعة انتي ما نطقت كلمة واحدة إلا يا رب يا رب! - أيوه من نص ساعة، لكن دلوقتي الساعة كام؟ - الساعة ستة ونص. - الصبح أو بالليل؟
أغلقت جفونها وراحت في الغيبوبة. قلب الطبيب بأطراف أنامله جفنها، جس نبضها، مسح جبهتها بقطعة من الشاش الأبيض مبللة بالكحول النقي. - الساعة ستة ونص بالليل يا صفاء.
انفتحت جفونها كاشفة عن مقلتين مذعورتين لونهما أسود أدكن، بياض العين كبير جاحظ تشوبه حمرة باهتة صفراء، ارتفع نصفها الأعلى؛ تهم بالنهوض. - يا خبر يا دكتور كان عندي ميعاد مهم الساعة خمسة. - أهم حاجة دلوقتي صحتك، ما فيش حاجه أهم من الصحة. - الفلوس أهم من الصحة يا دكتور، والفلوس راحت خلاص. - الصحة تجيب الفلوس يا صافي. - والفلوس تجيب الصحة، فلوسي راحت يا دكتور، أدفع لك منين يا دكتور؟ وإيجار الشقة؟ والأكل والتاكسيات والسجائر؟ - انتي أستاذة في الجامعة وماهيتك كبيرة. - كان زمان يا دكتور قبل الزفت؛ الانفتاح والديمقراطية ... - انتي مع الانغلاق يا صافي والدكتاتورية؟ - يا دكتور فلوسي راحت كلها في الزفت البنك الإسلامي، كلهم حرامية يا دكتور كلهم بتوع الإسلام، وبتوع الانفتاح زي اللي قبلهم بتوع الاشتراكية. - أستاذة مثقفة زيك يا دكتورة صفاء، ازاي تحطي فلوسك في شركة من بتوع توظيف الأموال دول؟ - قالولي الربا حرام، لكن أرباح توظيف الأموال حلال. وصحيح يا دكتور بركة ربنا حلت في الفلوس، كنت باقبض عشرين في المية فوايد، لكن كله راح، الفلوس بالفوايد، وكل حاجة.
অজানা পৃষ্ঠা