والثاني لذتي الشخصية في أن أنال منها قبلة أو أضمها لصدري، والسعادة الوقتية التي أجد في استسلامها لي، والسرور الذي يجيئني به أن أرى الدم يصعد إلى خدودها وعيونها المستعطفة العذبة النظرات، وشفاهها المرتعشة كأنها تهمهم بشيء لا تجد القوة كي تقوله علنا. أما ثالث هذه الدوافع فأحسبه إتمام غرض الطبيعة من تخليد النوع، حقا إنني لم أفكر في شيء من هذا مطلقا، ولكن سبب ذلك أني جعلت الفكرة فيه مقرونة عندي بفكرة الزواج. ولما كانت الطبيعة لا تهتم بكل هاته الوسائل التي أقمنا لحفظ كيان العائلة والجمعية كما يقال، بل هي تهزأ بها، أرادت أن تعمي على فتدفعني لكل المقدمات وتجعلني أجد فيها ما يحرضني عليها ثم هي توقعني حتما في شباكها، وتبتز مني ومن هاته الفتاة الابن الذي تريد أن يكون الجيل المقبل.
في هاته الساعات التي كنت أقترب فيها من صاحبتي كان يقتتل في داخلي عاملان من غير أن أحس بقتالهما: الطبيعة وأغراضها، والوسط وما يوحي به من الأنانية. وبرغم أن الطبيعة سارت في طريقها إلى حد شاسع فإنها لم تبلغ النتيجة التي كانت تطلب، لأني لم أتزوج الفتاة حتى أكون انسكبت في القالب الذي يريده الوسط، ولا أنا أرخيت لنفسي العنان خشية أن يمس ذلك أنانيتي بسوء.
بعد أن وصلت إلى هذا الحد من التفكير تجلى أمامي أنه لا ابنة عمي ولا صاحبتي الفلاحة كانت تنفع زوجة أو محبوبة لي... وإن تكن الثانية أحق من الأولى، لأنها حازت إعجابي، وكانت موضع اختياري. ولذا يجب أن أبحث عن غيرهما.
من حين خطر في فكري أن أبحث عن غيرهما بدأت أفكر في الانفراد بنفسي وترك الناس والتجوال حتى أقع على بغيتي، ولكني لم أتم ذلك إلا بعد عناء أيامي الفائتة. إذ رأيت كأن وجودي كله يصرخ: لم تبحث عن زوج؟ أولا تجد فيمن أعجبتك الرفيقة التي تسعدك وتسعد الجنس بأبناء أقوياء أصحاء... ولكني شعرت في اللحظة عينها بما في تلك الصيحة من معنى الاستهزاء بالزواج الذي تقدس على الزمان. كيف يصح وفي أي شرع يسوغ لي أن ارافق فتاة لم أتعاقد معها على الزواج، ولا نحن أمضينا صيغة العقد أمام المأذون؟ أليس في ذلك هدم العائلة والقضاء على شرف هذه الصلة؟
هدم العائلة! وما العائلة؟ وما معناها؟ ألا أستطيع أن أتزوج اليوم وأطلق بعد شهر، ثم أتزوج أخرى وأخرى، ويولد لي من جميع زوجاتي أولاد؟ فما هي العائلة التي بنيت والتي يخشى أن تهدم؟ كما أني لو شئت أن أقيم عائلة فليس بضائري شيئا أن تكون شريكتي في إقامتها فلاحة عاملة، وإذا كانت الفلاحة وغيرها كلهن متساويات في الجهالة فالعائلة التي تقوم على أساس حسن من الحب لا شك هي أحسن من غيرها. كما أنه متى خرجت المرأة من دار أبيها إلى دار زوجها أصبحت امرأة فلان تعلو بعلوه، وينالها من العظمة ما يناله. تكون هي معه شيئا واحدا يصيبه مايصيب النصف الآخر.
لكل ذلك أرى أنه لم يكن من عيب علي أن أتزوج بالفلاحة التي أعجبتني! ولكني لم أتزوج بها، وتزوج بها غيري ورأيت أنا من الأمانة أن أذرها من فكري، وحافظت هي الأخرى على عهدها لزوجها بأحسن ما تحافظ به زوجة.
واليوم ماذا عساني أعمل؟ ها أنا حرمت من ابنة عمي ومن الأخرى، ولم يبق لي منهما نصيب، فماذا عسى أن أعمل؟ هذا هو السؤال الذي سألته نفسي بعد تفكير طويل لم ينتج كثيرا ... .. ماذا أعمل؟ رباه! إنك تعلم ما بنفسي من الألم، لأني أعتقد أن حياة لا يخالطها الحب من أولها إلى آخرها حياة ضائعة. فإذا هي فقدت هاته العاطفة في الشباب أيام الربيع حيث القلب متقد والوجود أمامنا ناضر فهل نستعيض عنها شيئا بعد؟
اللهم هداك وسط هاته الظلمات الحالكة التي تحيط بي! لم يبق من سبيل للمقام مع أهلي الذين أعز. ويلاه! ويلاه!! يجب من أجل أن أعثر على المحبوب أن أذر ورائي كل شيء وأهيم حتى أجده. وبذلك يمكنني أن أعيش سعيدا.
إنني أحب أبوي وأهلي، ولكن أخشى أن يكون بقائي بينهم - بعد الخوالج التي أراها قائمة بنفسي وذلك التقزز من الحياة الذي أصابني - هما في هم وحزنا لي ولهم، فخير أن أنزع إلى الوحدة فإما بلغت غايتي ووجدت المحبوب الذي يسعدني وأرجع به يوما ما بين يدي لنعيش جميعا مع أبي وأمي، وإما لم أجده فأرفض الحياة رفض النواة غير آسف عليها، لأن الحياة التي لا تحوي السعادة لشخصينا أولى بها أن ترفض.
أنا عليم بصعوبة العمل الذي أخذت على عاتقي، ولكني إنما احتملته بعد أن سئمت العيش ورغبت عنه. بل لم يكن تصميمي هذا إلا تخفبفا من حكم هو أشد وقعا وأقسى على نفس كل من يحبني.
অজানা পৃষ্ঠা