أغلب المسلمين جعلوا موضوع الدولة من فروع الدين،وأكدوا أنها لا يجب أن تحتل المكانة العليا. كان ذلك على أساس أن كل قضية عملية، غير اعتقادية، فهي من الفروع. يتضح وفق ما سبق أن الدولة لا يصح إلا أن تكون من أصول الدين، وأنها تختلف نوعا عن جميع الأعمال الأخرى العبادية وغيرها، حيث إنها جميعا تعتمد على الدولة العادلة في بقائها ذا معنى. فكل ما نقوم به يجب أن يؤول إلى تحقيق مصالح العباد، فإذا كانت الدولة جائرة، أو لم تكن تعمل على تحقيق العدل بين الناس، فإن كل ما دون ذلك يضيع معناه. إضافة إلى ذلك فإن النفع العائد من الدولة يعود على الأمة أجمع، بخلاف غيرها والعبادات على وجه الخصوص والتي يعود نفعها على الفرد أو بعض الأفراد. وقد أشار إلى هذا الخبر المرفوع:((لو أن عبدا قام ليله، وصام نهاره، وأنفق ماله في سبيل الله علقا علقا، وعبد الله بين الركن والمقام، ثم يكون آخر ذلك أن يذبح بين الركن والمقام مظلوما لما صعد إلى الله من عمله وزن ذرة؛ حتى يظهر المحبة لأولياء الله، والعداوة لأعداء الله)) وأولياء الله تعالى هم الدعاة إلى الحق والعدل ومحبتهم تكون بنصرتهم. وأما أعداؤه فهم الظالمون المتعدون على حقوق العباد وحرمات الله، وعداوتهم بإزالة ظلمهم وجورهم. ومنه ما قاله يحيى بن الحسين (ت 298ه) حيث قال في معرض كلام له عن أولوية الوقوف أمام الظالمين على بقية الطاعات: ((وكيف لا يكون الجهاد أعظم فرائض الرحمن، وهو عام غير خاص لجميع المسلمين؟ وعمل من عمل به شامل لنفسه ولغيره من المؤمنين؛ لأن الجهاد عز لأولياء الله، مخيف لأعداء الله، مشبع للجياع، كاس للعراة النياع، ناف للفقر عن الأمة، مصلح لجميع الرعية، به يقوم الحق، ويموت الفسق، ويرضى الرحمن، ويسخط الشيطان، وتظهر الخيرات، وتموت الفاحشات. والمصلي فإنما صلاته وصيامه لنفسه، وليس من أفعاله شيء لغيره، وكذلك كل فاعل خير فعله لنفسه لا لسواه وكيف لا يكون الجهاد في سبيل الله فضل على جميع أعمال المؤمنين؟ وبه يحيا الكتاب المنير، ويطاع اللطيف الخبير، وتقوم الأحكام، ويعز الإسلام، ويأمن الأنام، وينصر المظلوم، ويتنفس المهموم، وتنفى الفاحشات، ويعلو الحق والمحقون، ويخمل الباطل والمبطلون، ويعز أهل التقوى، ويذل أهل الردى، وتشبع البطون الجائعة، وتكسى الظهور العارية، وتقضى غرامات الغارمين، وينهج سبيل المتقين، وينكح الأعزاب، ويقتدى بالكتاب، وترد الأموال إلى أهلها، وتفرق فيما جعل الله من وجوهها، ويأمن الناس في الآفاق، وتفرق عليهم الأرزاق)). ومن المدارس الإسلامية، من جعل الإمامة من أصول الدين(الإمامية والإسماعيلية)، ولكن ليس باعتبارها قيادة زمنية، ضرورية لحياة الناس، أي ليس بمعنى الدولة، وإنما باعتبارها قيادة فردية ضرورية لمعرفة الدين. فوفق هذه الرؤية لا يمكن للدين أن يعرف بغير الإمام، ومن هذه الحيثية جعلت الإمامة لديهما من أصول الدين.
وما يتعلق بالتنظير لقيام الدولة يمكن تقسيمه إلى قسمين:
المبادئ التي تمثل بمجموعها جوهر النظرية.
المبادئ التي تمثل آليات الوصول إلى الحكم ومن بعد ذلك ممارسته. والذي يجب ذكره هنا إنما هو الأمر الأول حيث إن الثاني يخضع لاعتبارات ظرفية، ولا يمكن أن يكون له صفة الإطلاق.
পৃষ্ঠা ৬৮