الرؤية الدينية
سبق القول بأن الرؤية الدينية تطلب من الإنسان أن يتمثل حقيقة{إنا لله وإنا إليه راجعون} وتبعا لذلك إنشاء مشروع سياسي يرعى حقوق الناس. بعبارة أخرى فإن الرؤية الدينية تقوم على أصلين أساسيين هما: الإيمان بالله واليوم الآخر من جهة، ومن جهة أخرى الإيمان بضرورة إقامة الدولة العادلة باعتبارها المشروع السياسي الذي يحقق الغرض.
الأصل الأول: الإيمان بالله واليوم الآخر ...
يتعلق الأصل الأول بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر. والإيمان به تعالى يتضمن أمرين: معرفة ذات الله، ومعرفة أفعال الله. والمعرفة بذاته تعالى تستند إلى التوحيد، وأما المعرفة بأفعاله تعالى فتستند إلى الحكمة. السمة العامة لهذه الرؤية في معرفة ذات الله تعالى أنها توحيدية،تضع حدا فاصلا لا يمكن تجاوزه بين الله تعالى وبين خلقه. حدا يجعل من الألوهية مرتبة لا يستحقها إلا الله الواحد الأحد، وتجعل كل من سواه عبدا مخلوقا داخرا لا حول له ولا قوة مهما بلغ من تفوق في خصائصه المادية. فترى أن الله تعالى واحد {ليس كمثله شيء}[الشورى:11]. لا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم. وأن كل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فالله تعالى بخلافه. فليس بجسم، وليس له شكل ولا صورة، ولا طول ولا عرض ولا عمق. لا يتحرك ولا يسكن. ليس بذي أجزاء. وليس له جوارح ولا أعضاء. وليس بذي جهات لا بذي يمين ولا شمال، ولا أمام ولا خلف ولا فوق ولا تحت. لا تراه العيون ، ولا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به الأوهام ، ولا يسمع بالأسماع. عالم قادر حي ولم يزل كذلك، ولا يزال. عالم قادر حي لا كالعلماء القادرين الأحياء. القديم وحده ولا قديم غيره. عالم بما كان ، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون(1) وعلمه بأفعالنا لا يؤثر عليها إطلاقا(2) هو الإله ولا إله سواه ، ولا شريك له في ملكه ، ولا وزير له في سلطانه ، ولا معين له على إنشاء ما أنشأ وخلق ما خلق.
পৃষ্ঠা ৬২