لقد أمسى الدين مصدر شرعية للأمر الواقع الجائر من جهة، وصانعا لعالم لا علاقة له بالشأن العام من جهة أخرى. ولم تكن صياغة الدين خارج الدولة وحدها هي المشكلة، وإنما أضيف إليها تدخل الدولة المباشر في تلك الصياغة. لقد عملت الدول الجائرة المتعاقبة في المراحل التأسيسية للفكر الإسلامي بين 41ه وأواسط القرن الرابع على صياغة دين يوافق هواها، ويخدم مصالحها. فجندت رجالا لخدمتها؛ كما أشهرت بعض العلماء البسطاء السطحيين من أصحاب النوايا الحسنة حيث إن بساطتهم تخدم مصالحها؛ كما عملت على كتم الحق، إما بقتل قائله، وإما بتشريده، أو بنفيه، أو بحبسه، أو بمنع نشر كلامه؛ أو بغير ذلك من الطرق والوسائل.
وزاد من سوء أثر تدخل السلطة السياسية أمران:
أولهما: أن السلطة السياسية الأولى التي مارست هذا الدور كان لها خلفية سياسية واجتماعية ضاعفت من أثرها السلبي على واقع الأمة. ذلك أن تلك السلطة تمثلت في معاوية بن أبي سفيان، وهو من أسرة عملت جاهدة منذ أيام الإسلام الأولى على القضاء عليه، وعلى رسوله، وأبنائه، ودولته. وبتولي معاوية، يكون قد وصل إلى السلطة رجل نشأ في كنف مشاعر العداء تلك. مشاعر لا شك أنها ستبقى آثارها، خصوصا أنه أسلم متأخرا، ثم لم يبق بعد إسلامه بين المهاجرين والأنصار فترة كافية، وإنما انتقل إلى الشام في مرحلة مبكرة جدا.
والثاني: قصر الفترة التي عاش فيها الإسلام عزيزا وهي ثلاثون سنة قبل تولي معاوية أمر هذه الأمة. ضمن ذلك المناخ شاع بين الأمة مجموعة من الأفكار السلبية كان لها آثار كبيرة على مسارنا الحضاري. لعل أبرزها ما يلي:
পৃষ্ঠা ৩২