ضرورة القرار السياسي
أتصور أنه لا يوجد أمل حقيقي بالتغيير ما لم يتم اتخاذ قرار سياسي يدفع البلاد جميعها، بكل مواردها وإمكانياتها نحو المراجعة والتغيير والتجديد. فطبيعة التغيير المطلوب يتطلب تجاوزا للواقع، والدولة هي الأكثر قدرة على دعم هذا التجاوز لما لها من موارد. والمثل القائل: اتسع الخرق على الراقع، هو خير ما يصف حال اليوم. فالمفكر يحاول أن يرقع هنا وهناك، ولكن الخرق يتسع يوما بعد يوم، إضافة إلى هذا فإنه مع كل راقع يوجد ألف خارق. وهذا بطبيعة الحال يتطلب قيادات سياسية قادرة على تقييم أهمية مثل هذه القرارات. قيادات سياسية قادرة على توجيه الأمة وليس مجرد ضبطها. قيادات سياسية تمتلك الرؤية التاريخية والفلسفية التي تؤهلها لاتخاذ مثل هذا القرار. وأهم من كل ذلك، قيادات سياسية تفتح المجال للحركة ولكن بغير أن تعمل على تحديد وجهتها. وما لم يتم مثل هذا، فإن عوامل التخلف المتأصلة المتزامنة مع هيمنة غربية متزايدة ستزيد من الاحتقان الموجود في المجتمعات، مما قد يؤدي إلى انفجاره. ولعل التزايد المتدرج في نشاط الحركات الصوفية في العالم الإسلامي يأتي في سياق تجنب تلك النتيجة. ولكن بالرغم من عدم وجود القرار السياسي، فإن طرح البدائل، والسعي إلى فتح الحوار حولها، وإيجاد من يتبناها أمر لازم. ذلك أنه مع استمرار الحال كما هي اليوم فإن عاصفة التغيير ستأتي، والأحداث السياسية الأخيرة في العالم مؤشر على أنها لن تكون بعيدة. وعند ذاك فإما أن نكون جاهزين برؤية مستقبلية مؤسسة على طرح ثقافي متقدم، وإلا فإننا سندمر. والدمار الذي يخشى منه ليس الدمار العسكري، أو السياسي، فإن الشعوب لا تنتهي بذاك، ولكن يخشى من الدمار الثقافي حيث نتحرك في الحياة وفق ثقافة غريبة كل الغربة عن جميع معتقداتنا التي نؤمن بها.
পৃষ্ঠা ৩০