نُسائلكمْ هلْ سالَ نعمانُ بعدَنا ... وحبَّ إلينا بطنُ نُعمانَ وادِيا
عهِدنا بهِ صيدًا غزيرًا ومشربًا ... بهِ نُقعَ القلبُ الَّذي كانَ صادِيا
وأنشدني أعرابي بالبادية:
أيا ربِّ أنتَ المستعانُ علَى نوًى ... لعزَّةَ قد أزرَى بجسمِي حِذارُها
أُسائلُ عنهمْ أهلَ مكةَ كلُّهمْ ... بحيثُ التقى حجَّاجُها وتِجارُها
عسَى خبرٌ منها يُصادفُ رفقةً ... مخلَّفةً أوْ حيثُ تُرمَى جمارُها
ومعتمرٍ في ركبِ عزَّةَ لمْ تكنْ ... لهُ حاجةٌ في الحجِّ لولا اعتمارُها
لئنْ عزفتْ يا عزَّ نفسِي عنكمُ ... لبعدٍ أشدَّ الوجدِ كانَ اصطبارُها
ولبعض أهل هذا العصر:
أتذكرُ اليومَ ما لاقيتُ مِنْ كمدٍ ... أمْ قدْ كفاكَ رسولِي بالَّذي ذكرا
هذا مقامُ فتًى أقصاهُ مالكهُ ... فحاولَ الصَّبرَ حينًا ثمَّ ما صبرا
بينَا يُعدِّدُ أحقادًا ويضمرُها ... إذْ قادهُ الشَّوقُ حتَّى جاءَ معتذرا
لمْ يجنِ ذنبًا فيدرِي ما يُمحِّصهُ ... ولا يرَى أجلًا للصَّفحِ مُنتظرا
واللهِ واللهِ لا تُشمتْ أعاديَهُ ... فالصَّفحُ أجملُ بالمولَى إذا قدرا
وقال سهيل بن عليل:
ألا أيُّها الرَّكبُ المخبُّونَ هلْ لكمْ ... بأُختِ بني نهدٍ نُهَيَّةَ مِنْ عهدِ
أألقتْ عصاها فاستقرَّ بها النَّوى ... بأرضِ بني قابوس أمْ ظعنتْ بعدِي
وقال آخر:
بعثتُ رسولًا فأضحَى خليلا ... علَى الرُّغمِ منِّي فصبرًا جميلا
وكنتُ الخليلُ وكانَ الرَّسولُ ... فأضحَى خليلًا وصرتُ الرَّسولا
كذا مَنْ يوجِّهُ في حاجةٍ ... إلى مَنْ يحبُّ رسولًا نبيلا
وزعموا أن جارية أرسلت جاريتها برسالة إلى خليل كان لها فاتَّهمته بأنه خمشها فكتب معتذرًا من ذلك:
زعمَ الرَّسولُ بأنَّني خمَّشتهُ ... كذبَ الرَّسولُ وفالقِ الأصباحِ
إن كنتُ خمَّشتُ الرَّسولَ فعافصتْ ... روحِي أناملُ قابضِ الأرواحِ
شغلي بحبِّكِ عنْ سواكِ وليسَ لي ... قلبانِ مشغولٌ وآخرُ صاحِ
قلبي الَّذي لمْ يُبقِ فيهِ هواكمُ ... فضلًا لتخميشٍ ولا لمزاحِ
الباب الخامس عشر
مَنْ أحبَّه أحبابهُ وشَى بهِ أترابهُ
مكايد الوشاة كلُّها تنقسم على ثلاثة أقسام فسعاية المتحابَّين إلى غيرهما وسعاية المحبّ إلى محبوبه وسعاية المحبوب إلى محبِّه فهذه عند كثير من الأدباء أضعف المكايد أثرًا وليس الأمر كذلك ولا هو أيضًا بضدِّ ذلك ولكنَّه محتاج إلى نقصان أمَّا العشَّاق والمتيَّمون فلا يقبلون قول الوشاة بل لا يسمعونه لأنَّ الثِّقة منهم بأحبابهم ماحيةٌ لقول من وشى بهم وأمَّا أهل الوله المدلَّهون فيقبلون ما لا يسمعون فضلًا عمَّا يسمعون لما قدَّمنا من وصفهم وغلبة الظّنِّ على أنفسهم ونحن نذكر إن شاء الله من كلِّ ما قيل في ذلك طرفًا.
وقال بعض الظرفاء:
ولمَّا رأينا الكاشحينَ تتبَّعوا ... هوانا وأبدَوْا دونَنا أعينًا خُزرا
جعلتُ وما بي مِنْ جفاءٍ ولا قِلًى ... أزورُكمُ يومًا وأهجركمْ شهرا
ولوْ نظرتْ بينَ الجوانحِ والحشا ... رأتْ مِنْ كتابِ الحبِّ في كبدِي سطرا
وقال الأحوص:
يا بيتَ عاتكةَ الَّذي أتعزَّلُ ... حذرَ العِدى وبهِ الفؤادُ موكَّلُ
أصبحتُ أمنحُكَ الصُّدودَ وإنِّني ... قسمًا إليكَ معَ الصُّدودِ لأميلُ
وتجنُّبي بيتَ الحبيبِ وذِكرَهُ ... أُرضي البغيضَ به حديثٌ مُعضِلُ
هلْ عيشُنا بكَ في زمانكَ راجعٌ ... فلقدْ تفحَّشَ بعدكَ المتعلِّلُ
ولوَ انَّ ما عالجتُ لينَ فُؤادهِ ... فقَسَا استُلينَ بهِ للانَ الجندلُ
وقال معاذ ليلى:
إذا جئتُها وسْطَ النِّساءِ منحتُها ... صدودًا كأنَّ النَّفسَ ليسَ تُريدُها
ولي نظرةٌ بعدَ الصُّدودِ من الهوَى ... كنظرةِ ولْهى قد أُميتَ وحيدُها
وقال بعض الأعراب:
لَعمْرُ أبي المُحصينَ أيامُ نلتقي ... لِما لا نُلاقيها منَ الدَّهرِ أكثرُ
يعدُّونَ يومًا واحدًا إنْ أتيتُها ... وينسونَ ما كانت من الدَّهر تهجرُ
وقال آخر:
1 / 44