ترفعُ الصَّوتَ إذا لانتْ لها ... وتَراخَى عندَ سوراتِ الغضبْ
لمْ تزلْ تصرِفُها عنْ رأيِها ... وتأَنَّاها برفقٍ وأدبْ
فبلغني أنَّ ابن أبي عتيق لمَّا سمع هذا الشعر قال لعمر بن أبي ربيعة النَّاس في طلب خليفة مثل قوَّادتك هذه منذ قتل عثمان بن عفان فما يقدرون عليه.
وقال أبو تمام الطائي:
أغنيتَ عنِّي غَناءَ الماءِ في الشَّرقِ ... وكنتَ منشئَ وبلِ العارضِ الغدقِ
يا منَّةً لكَ لولا ما أُخفِّفُها ... بهِ منَ الشُّكرِ لم تُحملْ ولمْ تطقِ
وقال أيضًا في وصفه كتابًا ورد عليه وأحسن:
فضضتُ خِتامهُ فتبلَّجتْ لِي ... غرائبهُ عنِ الخبرِ الجليِّ
وكانَ أجلَّ في عيني وأبهَى ... علَى كبدِي منَ الزَّهرِ النَّديِّ
وأحسنَ موقعًا منِّي وعندِي ... منَ البُشرَى أتتْ بعدَ النَّعيِّ
وضُمِّن صدرهُ ما لمْ تضمَّنْ ... صدورُ الغانياتِ من الحليِّ
وقال البحتري:
تناءتْ دارُ عَلوةَ بعدَ قربٍ ... فهلْ ركبٌ يبلِّغها السَّلاما
وجدَّدَ طيفُها عتبًا علينا ... فما يعتادُنا إلاَّ لِماما
وربَّةَ ليلةٍ قدْ بتُّ أُسقَى ... بكفَّيها وعينيها المُداما
قطعنا اللَّيلَ لثمًا واعتناقًا ... وأفنيناهُ ضمًّا والتزاما
وقال أيضًا:
هل ركْبُ مكَّةَ حاملونَ تحيَّةً ... تُهدى إلينا مِنْ معنًى مغرمِ
ردَّ الجفونَ علَى كرًى متبدِّدٍ ... وحنَى الضُّلوعَ علَى جوًى متضرِّمِ
إن لمْ يبلغكَ الحجيجُ فلا رمَوْا ... بالجمرتينِ ولا سُقوا مِنْ زمزمِ
وقال زيادة بن زيد:
ألمَّا بليلى يا خليليَّ فانظرا ... وما لمْ تُلمَّا بابَها كانَ أكثرا
وعُوجا المطايا طالَما قدْ هجرتُها ... عليها وإنْ كانَ المُعرَّجُ أغبرا
متى يرَها العَجلانُ لا يثنِ طرفهُ ... إلى عينهِ حتَّى يحارَ ويحسرَا
ولوْ خلِّيتْ ليلى علَى اللَّيلِ مظلمًا ... لجلَّتْ ظلامَ اللَّيلِ ليلى فأقمرا
ولمْ أرَ ليلى بعدَ يومِ لقيتُها ... تكفُّ دموعَ العينِ أنْ تتحدَّرا
فما بدَّدَ الهجرانَ يا ليلُ بيننا ... وشحطَ النَّوى إلاَّ الهوَى والتَّذكُّرا
وكمْ دونَ ليلى بلدةٌ مُسبَطِرَّةٌ ... وبيدٌ مَلاها العينُ حتَّى تحيَّرا
وقال نصيب:
خليليَّ زُورا العامريّةَ فانظُرا ... أيبقَى لديها الودُّ أمْ يتقضَّبُ
وقولا لها إنْ يعتزِلْكِ فلا قلًى ... ولكنَّهُ عنْ رقبةٍ يتجنَّبُ
يرَى دونكمْ مَنْ يتَّقي وهوَ إلفٌ ... لكمْ ولهُ مِنْ دونكمْ مُترقَّبُ
فصدَّ وما يسطيعُ صرمكِ إنَّهُ ... ولو صدَّ رهنٌ في حبالكِ مُنشبُ
وقال الأحوص:
إذا ما أتَى مِنْ نحوِ أرضكِ راكبٌ ... تعرَّضتُ واستخبرتُ والقلبُ موجعُ
فأبدا إذا استخبرتُ عمدًا بغيرِها ... ليخفَى حديثِي والمخادعُ يخدعُ
وأُخفي إذا استخبرتُ أشياءَ كارهًا ... وفي النَّفسِ حاجاتٌ إليها تطلَّعُ
فسرُّكِ عندِي في الفؤادِ مكتَّمٌ ... تضمَّنهُ منِّي ضميرٌ وأضلعُ
إلى اللهِ أشكُو لا إلى النَّاسِ حاجتِي ... ولا بدَّ مِنْ شكوَى حبيبٍ يروَّعُ
ألا فارْحَمي مَنْ قدْ ذهبتِ بعقلهِ ... فأمسَى إليكمْ خاشعًا يتضرَّعُ
إذا قلتُ هذا حينَ أسلُو ذكرتُها ... فظلَّتْ لها نفسِي تتوقُ وتنزعُ
إن كان أحد من المرسَلين إلى أحبابهم والسَّائلين عن أخبارهم معذورًا فصاحب هذا الشِّعر معذور لأنه قد احتاط جهد وكتم سرَّه بحسب ما يمكنه وليس هذه حالة تامة ولا في باب المراسلات حال تامة غير أنَّ كلَّ ما قلَّ من الإظهار وانكتم من الأسرار كان صاحبه أعذر ممَّن أفرط في إظهار حاله وائتمن النَّاس علَى أسراره.
وقال آخر:
أتتْنا عيونٌ مِنْ بلادكِ لم تجئْ ... لنا ببيانٍ منكِ ثمَّ عيونُ
وإنَّ منَ الخلاَّنِ من تشحطُ النَّوى ... بهِ وهوَ راعٍ للودادِ أمينُ
ومنهمْ كغيبِ العينِ أمَّا لقاؤهُ ... فحلوٌ وأمَّا غيبهُ فخؤونُ
وقال آخر:
ألا أيُّها الرَّكبُ اليمانونَ عرِّجوا ... علينا فقدْ أضحَى هوانا يمانِيا
1 / 43