وحاشاكَ منها غيرَ أنَّ أخا الهوَى ... بذكر الَّذي يخشى من الغدْرِ مولعُ
وقال بشار بن برد:
كأنَّ فؤادَهُ كرةٌ تنزَّى ... حذارَ البينِ لو نفعَ الحذارُ
يُروِّعنا السِّرارُ بكلِّ شيءٍ ... مخافةَ أن يكونَ بهِ السِّرارُ
وقال آخر:
وقدْ خفتُ حتَّى لو تطيرُ حمامةٌ ... رقيبًا علينا أوْ طليعةَ معشرِ
فإنْ قيلَ خيرًا قلتُ هذا خديعةٌ ... وإن قيلَ شرًّا قلتُ حقٌّ فشمِّرِ
وقال آخر:
تركتني الوُشاةُ نُصبَ المشيرينَ ... وأُحدوثةً بكلِّ مكانِ
لا أرى خاليَيْنِ للسِّرِّ إلاَّ ... قلتُ ما يخلُوانِ إلاَّ لِشاني
قال أبو بكر واتصل بي أن ديك الجن قدم من سفر له فوجد جاريته وقد كان يهواها عبد أخيه تسأله عن خبره لإبطاءةٍ كان عيَّنها فقتلها وقتل أمها وقال في ذلك:
يا مُهجةً طلعَ الحِمامُ عليها ... وجنى لها ثمرَ الرَّدى بيديْها
حكَّمتُ سيفي في مجالِ خِناقها ... ومدامعي تجري علَى خدَّيْها
روَّيتُ من دمها الثَّرى ولَطالَ ما ... روَّى الهوَى شفتيَّ من شفتيها
فوحقِّ نعليها وما وطئَ الحصى ... شيءٌ أعزُّ عليَّ من نعليها
ما كانَ قتلِيها لأنِّي لم أكنْ ... أبكي إذا سقطَ الذُّبابُ عليها
لكنْ بخلتُ علَى العيونِ بلحظها ... وأنفتُ من نظرِ العُداةِ إليها
وله أيضًا فيها:
أشفقْتُ أن يردَ الزمانُ بغدرهِ ... أو أُبتلى بعدَ الوصالِ بهجرهِ
قمرٌ أنا استخلصْتُهُ من دُجنةٍ ... لبليَّتي وجلبتهُ من خِدرهِ
فقتلتهُ وبهِ عليَّ كرامةٌ ... ملءُ الحشا ولهُ الفؤادُ بأسرهِ
عهدي بهِ ميتًا كأحسنِ نائمٍ ... والدَّمعُ يجرحُ مُقلتي في نحرهِ
لو كانَ يدري الميتُ ماذا بعدهُ ... بالحيِّ منهُ بكى لهُ في قبرهِ
غُصصُ الزَّمانِ تفيظُ منها روحهُ ... وتكادُ تنزعُ قلبهُ من صدرهِ
وله أيضًا فيها:
ليتني لم أكنْ لِعطفكِ ملتُ ... وإلى ذلك الوصالِ وصلتُ
فالَّذي منِّي اشتملتِ عليهِ ... ألِعارٍ ما قد عليهِ اشتملتُ
قالَ ذو الجهلِ لمْ جهلتَ ولا أعْ ... لمُ أنِّي حلمتُ حتَّى جهلتُ
لائمٌ لي بجهلهِ ولماذا ... أنا وحدي أحببتُ ثمَّ قتلتُ
سوفَ آسى طولَ الحياةِ وأبكيكِ ... علَى ما فعلتِ لا ما فعلتُ
وهذا وإن سلم من أن يكون مغلوبًا على عقله فظنُّه الظنَّ الَّذي لا غاية بعده وذلك أنَّه قد أيس من حبيبه بقتله له وهو غير نادم على فعله بل مصوِّبٌ له وراجع باللَّوم على نفسه فيما أتاه من الغدر.
وقال آخر:
يتعاتبانِ ويشكُوانِ هواهُما ... بمدامعٍ جلَّتْ عن الهملانِ
يتهاجرانِ بسوء ظنٍّ في الهوَى ... ويقلُّ صبرُهما فيصطلحانِ
وقال آخر:
عجلتُ علَى الصَّديقِ بسوءِ ظنٍّ ... وعتبِ أُمورهِ في كلِّ فنِّ
وأُقسمُ صادقًا ما خنتُ عهدًا ... ولستُ بخائنٍ ما لم تخنِّي
وما كانَ الَّذي استوحشتَ منِّي ... علَى المعنى الَّذي بُلِّغتَ عنِّي
وكنتُ إذا أتيتكَ كنتَ حسبي ... فلمْ يكُ فيَّ فضلٌ للتَّمنِّي
فهلاَّ إذ عتبتَ بحثتَ عنِّي ... ولمْ تُمضِ الحكومةَ بالتَّجنِّي
وقال البحتري:
أعظمُ الرُّزءِ أنْ تُقدَّمَ قبلي ... ومنَ الرُّزْءِ أنْ تؤخَّرَ بعدي
حذرًا أن تكونَ إلفًا لغيري ... إذْ تفرَّدتُ بالهوى فيكَ وحدي
وقال بشار:
نصبًا لِعينكَ لا ترى حسنًا ... إلاَّ رأيتَ بهِ لها شَبها
إنِّي لأُشفقُ أن أُقدِّمها ... قبلي وأكرهُ أن أُؤخِّرَها
وقال ماني:
جعلتُ عنانَ ودِّي في يديْكا ... فلمْ أرَ ذاكَ ينفعُني لَديكا
وقدْ والله ضقتُ فليتَ ربِّي ... قضى أجلي عليَّ ولا عليكا
فلمْ أرَ عاشقًا لكَ قطُّ مثلي ... أغارُ عليكَ من نظري إليكا
وقال:
وما في الأرضِ أشقى من محبٍّ ... وإن وجدَ الهوَى عذبَ المذاقِ
تراهُ باكيًا في كلِّ حينٍ ... مخافةَ فُرقةٍ أوْ لاشتياقِ
فيبكي إن نأوا شوقًا إليهمْ ... ويبكي إنْ دنَوا خوفَ الفِراقِ
1 / 31