إذا سُمتَها التَّقبيلَ صدَّتْ وأعرضتْ ... صُدودَ شَموسِ الخيلِ ضلَّ لجامُها
وعضَّتْ علَى إبهامِها حينَ أومأَتْ ... أخافُ العيونَ أنْ تهبَّ نِيامُها
وقال الأحمر الطائي:
أُلامُ علَى ليلَى ولوْ أنَّ هامَتي ... تداوَى بليلَى بعدَ يأسٍ لبلَّتِ
بذِي أشَرٍ تجرِي بهِ الرَّاحُ أنهلتْ ... أخاكَ بهِ بعدَ العشاءِ وعلَّتِ
وتبسِمُ إيماضَ الغمامةِ إنْ سمتْ ... إليها عيونُ النَّاسِ حينَ استهلَّتِ
وقال حسان بن ثابت:
يا لقومِي هلْ يَقْثُلُ المرءَ مثلِي ... واهنُ البطشِ والعظامِ سؤومُ
شأنُها العطرُ والفراشُ ويعلُو ... ها لُجينٌ ولؤلؤٌ منظومُ
لوْ يدبُّ الحولِيُّ مِنْ ولدِ الذَّ ... رِّ عليها لأندبتْها الكلومُ
وهذا سرف شديد وهو مع ذلك مأخوذ من قول امرئ القيس:
منَ القاصراتِ الطَّرفِ لوْ أنَّ مُحولًا ... منَ الذَّرِّ فوقَ اللِّيتِ منها لأثَّرا
ولبعض أهل هذا العصر:
نظرتُ إليهِ نظرةَ مستهامٍ ... فأثَّرَ ناظرِي في وجنتيهِ
فلاحظَني وقدْ أثبتُّ وجدًا ... فأثَّرَ في الفؤادِ بمُقلتيهِ
وقال آخر:
فيكَ لِي فتْنَتانِ لحظٌ ولفظٌ ... وَعَظانِي لوْ كانَ ينفعُ وعظُ
لكَ وجهٌ كأنَّه رقَّةُ الماءِ ... وقلبٌ كأنَّه الصَّخرُ فظُّ
أنتَ حظِّي فما يضرُّكَ لو كا ... نَ لمنْ أنتَ حظُّهُ منكَ حظُّ
وقال الوليد بن عبيد الطائي:
ألَمعُ برقٍ سرَى أمْ ضوءُ مصباحِ ... أمِ ابتسامَتُها بالمنظرِ الضَّاحِي
يا بؤسَ نفسٍ عليها جِدَّ آسفةٍ ... وشجوَ قلبٍ إليها جِدَّ مُرتاحِ
تهتزُّ مثلَ اهتزازِ الغصنِ أتعبهُ ... مُرورُ غيثٍ منَ الوسميِّ سحَّاحِ
أرسلتِ شُغلينِ مِنْ لفظٍ محاسنهُ ... تروي الضَّجيعَ ولحظٍ يُسكرُ الصَّاحِي
أُثني عليكِ بأنِّي لمْ أخفْ أحدًا ... يلحِي عليكِ وماذا يزعمُ اللاَّحِي
ولقد أنصف غاية الإنصاف الَّذي يقول:
فما الشَّمسُ يومَ الدَّجنِ وافتْ فأشرقتْ ... ولا البدرُ وافَى أسعدًا ليلةَ البدرِ
بأحسنَ منها بلْ تزيدُ ملاحةً ... علَى ذاكَ أوْ رأْيُ المحبِّ فلا أدرِي
ومختار ما قالته الشعراء في وصف الخلق والأخلاق أكثر من أن تتضمنه الأوراق وفيما ذكرنا منه بلاغٌ وعلى كل حال وصف الخلائق والأفعال اسهل من وصف الخِلقة بالجمال وكلاهما داخلٌ في معنى الدلالة على الشركة في الأحباب حسب ما تقدم ذِكرنا في صدر هذا الكتاب.
الباب العاشر
سوءُ الظَّنِّ مِنْ شدَّةِ الضَّنِّ
قال الزبير بن بكار: قال جميل بن معمر: ما رأيت مصعبًا يختال بالبلاط إلاَّ عرف على بثينة وهي بالحباب وبينهما مسيرة ثلاثٍ.
وقال العباس بن الأحنف:
لم ألقَ ذا شجنٍ يبوحُ بحبِّهِ ... إلاَّ ظننتُكِ ذلك المحبوبا
حذرًا عليكِ وإنَّني بكِ واثقٌ ... ألا ينالَ سوايَ منكِ نصيبا
ولبعض أهل هذا العصر:
أيا أملي هلْ في وفائكَ مطمعٌ ... فأطلبَهُ أمْ قد تناهتْ أواخرُهْ
فإنْ يكُ ما قد خفتَ حقًّا فلا تعدْ ... فلن يستوي مُوفي الفؤادِ وعاذرُهْ
وإلاَّ فلا تعتبْ عليَّ فإنَّهُ ... إذا ظنَّ قلبُ المرءِ ساءتْ خواطرُهْ
وله أيضًا:
قسمتُ عليكَ الدَّهر نصفًا تعتُّبا ... لِفعلكَ في الماضي ونصفًا ترقُّبا
إذا استيقنَتْ نفسي بأنْ لستَ عاذرًا ... ليَ الظَّنَّ والإشفاقَ إلاَّ تريُّبا
فقدْ والَّذي لو شاءَ غلَّبَ واحدًا ... فروَّحَ قلبًا آمنًا مُتهيِّبا
شككتُ فلا أدري لِفرطِ مودَّتي ... يبريكَ أمرَضني يُرينيكَ مُذنبا
ولو كانَ قصدي منكَ وصلًا أنا لهُ ... لقد كنتَ لي أندى جنابًا وأخصبا
لوَ ادنوا لأقللْتُ العتابَ ولم أزدْ ... علَى أن تراني في امتداحكَ مُطنبا
ولكنَّ بي ظنًّا أبى أنْ يُقيمني ... لديكَ بما لا أرتضيهِ مُصوَّبا
وله أيضًا:
لقدْ جمعتْ أهوايَ بعدَ شَتاتها ... صفاتُكَ فانقادَ الهوَى لكَ أجمعُ
سوى خصلةٍ ذكري رهينٌ بذِكرها ... فقلبيَ منها ما حييتُ مروَّعُ
1 / 30