ولما أدخلونا المنزل ورأى مولاي شرف الدين «شريفا» مجروحا وحالته تنذر بالخطر، لم يلتفت إلى من جاء معه من الرجال بل انحنى على شريف وقبله بين عينيه وأجهش في البكاء، وجاء كل من في المنزل يبكون ويندبون ومولاي شرف الدين لا يعي لنفسه، كل ذلك وأنا موثق الكتاف ملقى في زاوية من زوايا المحل يضربني الخدم بالنعال ولكنني أبكي لبكائهم وهم يظنونني أبكي من ألم الضرب ووددت لو انشقت الأرض وابتلعتني، وعند ذاك أحضر طبيب فكشف عن الجرح وفحصه ثم قال إن السكين وصلت إلى قلبه، وهيهات أن يعيش!
فلما سمع شرف الدين هذا الجواب قال: علي بخادم الحاج علي، أما والله لو اتخذ قاتله نفقا في الأرض أو سلما في الجو ما خلص مني ولو كان هو أمير مكة نفسه.
فقال له أحد الذين أحضروني: يا مولاي، ها هو القاتل. وأشار إلي. فلما سمع ذلك شرف الدين التفت إلي بنظرة توقف الأسد عن التقدم لفريسته، وقال: أهذا الذي قتل شريفا؟ قطعوه إربا ولا تبقوا له أثرا، لا عشت أيها النذل الخائن ولا عمرت بك بلاد أيها القاتل الغادر.
فلما سمعت ذلك أيقنت بالهلاك وودعت الدنيا ومن فيها وسلمت نفسي لأمر الله، ولكن خطر ببالي أن أسأل شرف الدين عن المقتول عما إذا كان ابنه أو متبنيه، فقلت له بشهامة البائس: تأن يا سيدي، فلم أقتل شريفا وإنما أنا أنقذته ممن قتلوه، فأرجوك أن تتمعن في الأمر وأن تشفق على غريب ترك دياره ليبحث عن شقيق له، ولم يرتكب جناية سوى أنه خلص نفسا زكية قتلت بغير ذنب، فإن رأيتموني مذنبا في خلاص ولدكم فاقتلوني ونفسي راضية، وإن وجدتم أني عملت عملا شريفا فلا أسألكم عليه أجرا سوى أن تجاوبوني على سؤال واحد.
ولقد قلت ذلك ومولاي شرف الدين مصغ إلي بعين تنظر نظرة الممتحن، فقال بصوت هادئ: لو كانت براءة المذنبين بناء على أقوالهم فهم أطهر الناس وأبعدهم للذنوب وأشرفهم في كل شيء، ولكن على أي حال إن لم تكن القاتل فلا بد أنك تعرف القاتل. - نعم أعرف القاتل، وإنما أسألك أن تفك وثاقي وأن تعدني وعدا صادقا أن تجاوبني على سؤالي بما تفرضه الذمة قبل أن أخبرك بالقاتل. - تلوح على عينيك البراءة، ولكن ربما كنت واهما، فكوا وثاقه.
فقرب مني اثنان وفكا وثاقي بعد أن أخذا الريفلفر مني وتحققا من عدم وجود سلاح آخر، ثم جلس مولاي شرف الدين على مقعد مرتفع وقال لي: «تكلم»، فوقفت باحترام ورجلاي لا تكادان أن تحملاني، وقلت: إني لم أقتل شريفا وإنما خلصته من أيدي الذين قتلوه وأخذته إلى محل الخادم لأعالجه، ولكن جاء رجالك وأحضروني. - ومن إذن القاتل هو؟
فقلت له: القاتل هو الرجل المقتول الذي أحضره رجالك مع الخادم. - ومن قتل هذا الرجل؟
فقلت: أنا.
فقال: ولم ذلك؟
فقلت: لأخلص شريفا ولآخذ بثأره. - وأنت من أين عرفت شريفا؟ وكيف تأخذ بثأره؟ هل أنت من عائلة شرف الدين؟ - أنا لست من عائلة مولاي، ولست من هذه البلاد، وأريد أن أسألك كما سألتني؛ هل هذا الشاب ابنك أو من عائلتك حتى تود أن تأخذ بثأره وتبحث عن قاتله؟
অজানা পৃষ্ঠা