أما الأديب الذي يسألني عن غلاة المحدثين من المصورين، فينتظر مني جوابا مسهبا عن مدرستهم ومدارس أمثالهم في سائر الفنون؛ لأن هذه البدعة قد عمت فنونا أخرى ولم تنحصر في التصوير.
والذي أراه أن الإسهاب هنا فضول لا حاجة إليه؛ لأن بطلان الأساس الذي قامت عليه هذه المدرسة قد يظهر في بضعة سطور.
فالمصورون على مذهب الغلاة المحدثين ينسون قواعد الرسم، وينسون ملامح الشبه، وينسون أصول التلوين، ويرسمون الرجل فلا تعرفه بملامحه ولا بظاهر شكله، ولا تميز بينه وبين غيره بعلامة تتفق عليها الأنظار؛ لأنهم يزعمون أنهم يعرضونه لك كما يتمثل في الوعي الباطن، أو كما يشعر هو في باطن وعيه، ولا يعرضونه لك كما تراه بالعين.
والخطأ هنا أن «الوعي الباطن» لم يخلق ليلغي الوعي الظاهر أو يمنعنا أن نرى الدنيا، ولكنه خلق ليظل وعيا باطنا حيث هو في قرارة الضمير، نستدل عليه بعلاماته التي تتفق عليها الأنظار. وما من أحد يبني بيته أو يطبخ طعامه، أو يخيط ملابسه أو يحضر دواءه على ما يتصوره هذا وذاك وأولئك في وعيهم الباطن المزعوم ... فلماذا يتغير وجه الإنسان؛ لأن له وعيا باطنا؛ أو لأن المصور له وعي باطن، أو ما يزعم من هذا الهراء؟
ومن البديه أن التصوير «فن» له أدواته وتحضيراته، وملكاته التي لا تشبه ملكات الفنون الأخرى؛ فما هي الدروس التي يتعلمها المصور؛ ليصبح على هذا المذهب مختصا في صناعته؟ ما هي تلك الدروس إذا نحن ألغينا الرسم والتلوين والملامح والأشباه؟ أهي دروس التنجيم عن الوعي الباطن؟ وكيف الاتفاق عليها ولا يوجد اثنان يتفقان على تسمية صورة من متعلمي ذلك التنجيم؟
الواقع أن «الوعي الباطن» له مكان واحد من شئون هذه البدعة المرضية، ومكانه هو إظهار العلة المرضية التي تكمن في بواطن المصورين المشغوفين بكل بدعة من هذا القبيل.
فمما لا شك فيه أنهم جميعا قوم «تفهون» تتخطاهم العيون، فهم بين مشوه أو ضئيل أو مهزوم النفس أو عاجز عن لفت النظر إليه؛ فحيلتهم هي حيلة هذا الضرب من الناس في اتخاذ المشاكسة والتحدي والإغراب وسيلة للتنبيه إليه، وهذه هي الحقيقة الواحدة التي لها شأن ب «الوعي الباطن» في مذهب هؤلاء الغلاة؛ فهم مصابون في وعيهم الباطن، يترجمونه كارهين، ويعرضون على الناس من ثم أعراض مرض لا معارض فنون.
الفصل التاسع
احتكار الأدب
سألني أحد الأدباء رأيي في هذا الموضوع:
অজানা পৃষ্ঠা