أما الأصل الأول: وهو أن الله تعالى أوجد فينا العلوم الضرورية، فالذي يدل على ذلك أنها قد وجدت فلا يخلو إما أن يكون أوجدها الله تعالى أو غيره، أو أوجدها الواحد منا في نفسه، محال أن يكون أوجدها الواحد منا في نفسه؛ لأنها لو كانت من فعله لوجب أن تكون واقفة على اختياره فكان إذا توفرت دواعيه إلى فعل الفعل والزيادة فيه وغيره من العلوم الضرورية أن يوجد ذلك، ومتى صرفه الصارف عن حصول العلوم الضرورية، وكره وجودها أن تزول، وفي علمنا بخلاف ذلك دلالة على أنها ليست من فعلنا ولا يجوز أن تكون من قادر بقدرة وهو الغير؛ لأن الفعل لا يحصل من القادر بالقدرة إلا بالاعتماد والاعتماد لا تأثير له في ايجاد شيء من العلوم، أما أنه لا يوجد منه إلا بالاعتماد فذلك ظاهر فإنه لو أراد تحقيق غيره لم يحصل إلا بالاعتماد؛ لأنه لا يقدر على الاختراع، وإما أن الاعتماد لا تأثير في إيجاد شيء من العلوم، ولأن أحدنا لو اعتمد بيده على صدر الغير لم يزد في علمه ولا ينقص، ولأن الاعتماد لو زيد الاعتقاد لوجب أن يولد جميع الاعتقادات؛ لأنه لا اختصاص له ببعضها دون بعض، وكان يلزم في الاعتماد الموجود في قلبه أن يولد الاعتماد لأن السبب يولد لما يزعم إليه فلم يبق إلا أنها من فعل القادر لذاته فثبت الأصل الأول.
أما الأصل الثاني: وهو أن العلم لا يصح وجوده إلا من عالم فالذي يدل عليه وجهان:
أحدهما: أنا قد علمنا أنه يتعذر على الصبيان والمجانين أن يفعلوا شيئا من العلوم بل يتعذر على العاقل أن يفعل شيئا من العلوم إلا على طريقة مخصوصة، فمن لا يعلم شيئا أولى وأحرى أن لا يصح منه فعل العلم.
الوجه الثاني: أن العلم اعتقاد واقع على وجه، وهو لا يقع على ذلك الوجه إلا من عالم؛ لأنه جنس الفعل الحكيم، وتفصيل هذا الوجه يأتي إن شاء الله تعالى في الكتب البسيطة، فثبت الموضع الثالث.
পৃষ্ঠা ২৫৩