فقالت في حزن: ما غبت عني ولن تغيب عني.
ووقفت مرتدة إلى الوراء كأنها تريد أن تهرب من موقفها.
فقال سيف: إذن فما هذا الجفاء الذي تطالعينني به؟ أسمعيني صوتك الذي عرفته، وانظري إلي ببسمة تعودتها وإن كانت حزينة. قولي ما في نفسك فإن هذا الصمت يفزعني، بل يكاد الشك يتسرب إلى قلبي. لست أجرؤ أن أقول إن قلبي يشك في مودتك، فإن قلبي نفسه يكذبني. قولي إنك ما زلت على عهدي لم يداخلك شك في حبي. قولي هذا وهو يكفيني.
فقالت والعبرات تغالبها: ليس بي جفاء ولا شك يا سيف، وهذا صوتي الذي عرفته يقول لك إنني ما زلت على عهدي كأقوى ما كنت مودة، وما زلت على حبي كأصفى ما كنت حبا. بل أقول لك إنني كنت في هذه الساعة أصلي لك كما كنت أصلي لروح أبرهة. كنت أفزع إلى العذراء بما في قرارة نفسي، وأقول لك ما قلته في اعترافي لها إن حبي لك أبقى من الحياة وأقوى من الموت.
فصاح سيف: إذن فما أسعدني! ما أسعدني أن أجثو عند العذراء أكرر لها مثل هذا القول، فإني الآن أومن بها وأحبها.
ومد يده إلى يدها مرة أخرى، وتباعدت عنه في رفق مرة أخرى وقالت: لم أتم لك حديثي بعد يا سيف.
فقال سيف: إن اشتياقي إلى حديثك أشد من حرصي على بث ما في نفسي. قولي وأفيضي حتى أروي سمعي وأطمئن قلبي وأجلو عني المخاوف التي ساورتني. ما لي أراك تباعدين يدك كلما مددت إليك يدي؟ هاتي يدك حتى أعرف أنك حقا أمامي. تكاد الوساوس تعاودني فأتوهم أننا في حلم مضطرب.
فقالت بعد تردد: لا تسئ بي الظن والتمس لي المعذرة إذا وجدت قولي مضطربا. أعيد عليك أن حبي مقيم على الدهر، عميق عمق البحر الزاخر، مشرق إشراق الصباح الزاهر. هو غذائي الذي يغذيني وهو عزائي الذي يعزيني، فلنجعله خالدا صافيا عميقا أبد الدهر.
فقال سيف: حسبي هذا يا خيلاء، فلا تقولي بعد ذلك كلمة. كأنني أحس رهبة من كلمة أخرى.
فقالت خيلاء: اسمع يا سيف تتمة قولي. فإن الحب الذي بيننا أنصع من أن يداخله الرياء أو الخوف، هو مودة الأرواح، فلنجعل مناجاتنا فيه مثل مناجاة الملائكة، ولا نسلم أنفسنا إلى غرور السراب.
অজানা পৃষ্ঠা