96

فقال سيف مواسيا: لن يرد الحزن أبرهة إلينا. ولو كنت أعرف كيف أصلي لجثوت إلى جانبك أشاركك في الدعاء، ولكن لا مفر لك ولا لي من أن نفكر معا فيما ينبغي لنا أن نفعل بعد هذا، فلنفكر معا يا خيلاء منذ الساعة، فإن الوقت أضيق من أن نقطعه في حزن عقيم لا يقدم ولا يؤخر شيئا. متى نغادر غمدان؟

فأطرقت خيلاء وهي تعبث بالصليب الفضي المعلق في عنقها، ومضى سيف فقال: لقد آن لنا أن نفارق هذه الأبهاء المظلمة التي تحجبها الأستار الحريرية عن ضوء الشمس. آن لنا أن نبعد عن هذه الأحجار المغلقة التي يقف الأحباش عند أبوابها.

ولكن خيلاء لم تنطق بحرف، وخيل إلى سيف أنها كانت بعيدة عنه مغلقة دونه. ماذا؟ أهذه خيلاء التي وقفت تودعه منذ أيام عند باب حجرتها وتقول له: «لقاء قريبا» وهي تغمره بعينيها؟ كانت أجفانها الوطفاء تطرف في شيء يشبه الوجل، كأنها منصرفة إلى حديث مفزع بينها وبين نفسها. ماذا تقول في سرها؟ أهي تحاول أن تخفي عنه سرا لا تجرؤ على الإفضاء به؟ أبدا لها شيء جديد منذ ذهبت حماسة الصدمة الأولى، بعد أن عرفت أنه ابن ذي يزن؟

وقال في شيء من القلق: معذرة يا خيلاء إذا قلت لك إنني ألمح عندك شيئا غامضا لست أفهمه، لست أدري كيف أتكلم، فخبريني أنت عما يضطرب تحت صمتك وإطراقك. أنت بغير شك تجاهدين ألا ينم لسانك عما عندك، ولكن وجهك ينطق ويعصيك. لم تحولين بصرك عني هكذا؟ ولم تردين الألفاظ التي تتبادر إلى لسانك؟ ليس يزعجني بكاؤك ولا جزعك، ولكن يزعجني إطراقك وحركة وجهك ونظرة عينيك. فارفعي ذلك الستر الجامد الذي يحجب عني خيلاء التي أعرفها.

فقالت خيلاء في صوت خافت وهي تحاول النظر إليه: إنه المصاب الذي حل بنا يا سيف. هو وقع الكارثة التي لم يكن أحدنا يحلم بها، وإن موت أبرهة لم يكن كموت الناس، فيه لوعة الفراق وحدها. كان موته ...

ثم ترددت وحولت عينيها ومنعت اللفظ الذي كادت تنطق به في تتمة حديثها.

فقال سيف: افتحي صدرك يا خيلاء، وانثري ما فيه ولا تردي من قولك حرفا. لست أفهم من قولك إلا أن الحزن قد غلبك، فخيل إليك أن الكارثة فوق طوق الاحتمال، ولكنني هنا فلا تجعلي الجزع يحملك إلى أبعد مما ينبغي له.

واقترب منها مادا يده إلى يدها، ولكنها تخلصت منه في رفق قائلة: دعني يا سيف! بحقك دعني الآن ، فلست أدري ماذا أقول لك. إنني لا أملك أنفاسي ولا أقوى على الحديث.

وكان في صوتها فزع ظاهر.

فوقف سيف وقال في لهفة: أبك عتب علي يا خيلاء؟ إن كان شيء من ذلك فلا تخفيه عني حتى أبادر فأجثو إليك معتذرا. كم غبت عنك حتى يعتريك كل هذا التغير؟ أم أنت تخفين عني سرا رهيبا؟

অজানা পৃষ্ঠা