============================================================
وكل ما ينحرف بالإنسان إلى تلك الهوة السحيقة إنما هو الهوى . ولا شيء غير الهوى . لأن الهوى إذا استحكم في إنسان استعبده وسخره إما لخدمة نزعاته السافلة، وتأويل الشرائع وتطويعها لخدمة هذه النزعات، وإما للخوض في العلويات دون استعداد لها، ولا توازن بينها وبينه فيقع في آفات أخرى من الكبر والعلو في الأرض والكفر بالقيم العليا ثم بالله سبحانه : فالهوى عنده ينحرف بالإنسان عن الشعار الصوفي المجيد و كن ابن الوقت" فهل يكتفي الباحث المحقق بالنهي عن الهوى ؟!1 إن مثل المحاسبي لا بد أن يأخذ مريض النفس من جوانب مختلفة ومن زوايا متباينة، ويتتبع أساس الداء وجذوره، ولا يكتفي بالأصباغ العامة والعلاجات السطحية التي لا تمس أصل الداء.
إن المال هو أصل الرزايا في الكون كله فمن أجله تطاحن الناس فرادى وتصادموا جماعات تتسلح بالمهلكات من النظريات والمتفجرات، فلا عجب أن يسهب المحاسبي في مسألة المال إسهابا يدعو إلى التساؤل الذي هو عين الجواب في الوقت نفسه عند كل محقق بصير.
فإذا تخلص الإنسان من سلطان المال فلا بد له من تصحيح النية وإتقان العمل، وليكن تدريبه على إتقان عمله في عمارة الحياة هو محاولة إتقان مسائل العبادة وتجريدها من كل ما يمس الكسب المادي من قريب أو بعيد فإذا نوى الناس بنوافلهم تحصيل ثواب اكثر فالصرفي ينوي بنوافله جبر ما نقص من فرائضه وليس بعد ذلك السلوك تدريب على إتقان العمل دون انتظار ثواب في كل الميادين واذا صحح الإنسان نواياه على هذا النهج في كل شيء صح لأن يكون عالما، وهنا تواجهه سطوة هائلة لا تقل عن سطوة المال . فالعلم والمال يولدان داء شديد الخطورة على الحضارة الفكرية هو حب المحمدة والتفور من المذمة. وما يتبع ذلك من أدواء فرعية لا تقل خطرا عن أصل الداء في هدم البناء الفكري الحضاري السليم.
পৃষ্ঠা ৪৯