وَخَيْلٍ حَشَوْنَاهَا الأُسِنَّةَ بَعْدَمَا ... تَكَدَّسْنَ مَنْ هَنَّا علينَا ومِن هَنَّا
ضُرِبْنَ إلَيْنَا بِالسِّيَاطِ جَهَالَةً ... فَلَمَّا تَعَارَفْنَا ضُرِبْنَا بِهَا عَنَّا
وقال أبو الفتح: كانت خيل الروم رامت جيش سيف الدولة فظنته جيشها فجاءته مسترسلة فلما عرفت أنه جيش المسلمين ولت هاربة.
قال أبو القاسم: معنى البيت رب خيل أوسعناها طلعنا بالرماح بعد أن اكتنفتنا من هنا وهنا، والتكدس أن تكتف الخيل في مشيها وحضرها وهو من علامات عتقها وجودتها قال
وَخَيْل تَكَدَّسُ بِالدّارِ ... عينَ مَشْيَ الوُعُولِ على الظَّاهِرَة
ومنه أكداس الحنطة لما يرفع من حصائدها وقد ذكره المتلمس في شعره.
ومعنى البيت الثاني للمتنبي أن الروم أقبلت علينا جهالة بغنائنا في الحرب وبلائنا من القتال فلما رأوا مشابتتنا لهم ومقاومتنا إياهم هزمن بنا عن محاربتنا.
وقال المتنبي:
وَتَوَقَّدتْ أنْفَاسُنَا حَتَّى لقَدْ ... أشْفَقْتُ تَحْتَرِقُ العَوَاذِل بَيْنَنَا
قال أبو الفتح: إشفاقه على العواذل أن يحترقن مع بغضه إياهن أنه خاف أن ينم احتراقهن على ما كان فيه من حرارة أنفاسه أو احتدام موقعها.
قال أبو القاسم: معنى البيت ظاهر في اللفظ والأنفاس في صعدائها على العشاق لا تحتاج إلى احتراق العواذل للنميمة، وليس لبعض العواذل مدخل في المعنى ولا لنميمة الاحتراق محل.
وقال المتنبي:
أمْسَى الذِي أمْسَى برَبِّكَ كافرًا ... من غيرِنَا مَعَنا بفضلِك مُؤْمنا
قال أبو الفتح: أمسى من يكفر بالله من غيرنا مؤمنًا بفضلك معنا. أي اجتمعت على فضلك ألسنة المخالفين.
قال أبو القاسم: هذا المعنى ظاهر في اللفظ بلا تفسير وأخذه المتنبي من أبي تمام حيث يقول:
لوْ أنّ إجماعنا في فضل سؤدده ... في الدين لم يَخْتَلِفْ في لأمَّة اثْنان
وأبو تمّام أخذه من عمر بن أبي ربيعة) فطرد معنى الغزل إلى المدح موريا به (حيث يقول:
وفتَاةٍ إنْ تَغِبْ شَمْسُ الضحى ... فَلَنَا وجهها عَنْهَا خلف
أجمع الناسُ على تفضيلها ... وَهَوَاهُمْ في سوَاها مُخْتَلِفْ
وقال المتنبي:
غَضُّ الشَّبَاب بَعِيد فَجْرُ لَيْلَتِه ... مُجَانب الجَفْن للفَحْشَاءِ وَالوَسَنَ
قال أبو الفتح: أي تطول ليلته لسهره في الخير والشر وهو مع ذلك غض الشباب لائق بمثله الفكاهة واللذات، يمدح بذلك قاضيًا.
قال أبو القاسم: معنى البيت أنه متهجد بالليل ساهر في أسباب الطاعات ففجره بعيد من ليلة سهره. والتعبد في الجملة حسن وهو من الشباب أحسن كما أن السخاء حسن ومن ذوي الإقلال أحسن، وهذا من باب تفاوت المحاسن وتفاضلها وهي على الجملة حسنة فاضلة.
وقال المتنبي:
تحبو الرواسم من بعد الرسيم بها ... وتسأل الأرض عن أخفافها الثفن
قال أبو الفتح: يقول إذا كلت أخفاف المطي لشدة اليسر فحبت ثفناتها سألت ثفناتها الأرض فقالت: أين الأخفاف التي كانت تحمل هذا البعير. وهذا مثل ضربه لشدة السير ولا سؤال هناك.
قال أبو القاسم: معنى البيت أن الإبل لسيرها في هذه المفاوز وتباعد ما بين أقطارها تنقطع وتتزيل أوصالها حتى تسال الثفنات الأرض: أين الأخفاف لتباين مفاصلها، والبيت الأول يدل عليه.
فغادر الهجر ما بيني وبينكم ... يهماء تكذب فيها العين والأذن
وقال المتنبي: كل ما لم يكن من الصعب في الأنفس سهل فيها إذا هو كانا قال أبو الفتح: أي أفدت رقاب الناس ما بين شبيب وسيفه مخافة منها لهما.
قال أبو القاسم: معنى البيت أن شأن شبيب القتل ورقاب الناس تفزعه كأن بينهما ما بين عرب الحجاز وهم قيس وعرب اليمن وهم قحطان، وهذا الذي ذكره الحسن بن هانئ:
وأطرق حيات البلاد لحية ... خصيبية التصميم حين تسور
سمنت لرجال الخوف في دار أمنهم ... فأضحوا وكل في الوثاق أسير
وهناك عرب قيس واليمن والحرب بينهما سجال.
وقال المتنبي:
ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان
قال أبو الفتح: معنى غريب اليد أي سلاحه السيف والرمح وساح من بالشعب الحربة والنيزك.
1 / 21