وقد احتجوا لمذهبهم هذا ببعض الآيات التي لا تدل على تلك المعاني الفاسدة، إلا لمن عمي قلبه عن الحق، وكابر ربه واتبع هواه، فحرفها عن ما أراد الله تعالى منها. أيضا اعتمدوا على أحاديث لم يسمع بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم تخلق إلا من عهد معوية وأصحاب معوية. وسأشير إلى هذه الآيات في قسم الآيات المتشابهة، إن شاء الله تعالى، دون الأحاديث النبوية لأن ضعف أسانيد رواياتهم يغني عن البحث في معانيها.
وقد قالت المجسمة: إن المسلمين اتفقوا على أن الله تعالى شيء لا كالأشياء؛ فلم لا يصح أن نقول: إنه تعالى جسم لا كالأجسام.
وقد ذهبوا إلى هذا القول، لعلمهم بأنه لا يمكن أن ننسب إلى الله تعالى الأعضاء والحركة، إلا إذا جوزنا عليه سبحانه أن يكون جسما. فقبل أولئك المشبهة هذا، وجوزا عليه الجسمية. ولكنهم يدركون شناعة وقبح هذا القول، فسعوا إلى أن يخففوا من ذلك بأن قالوا: الله جسم، ولكن لا كالأجسام؛ ووضعوا مشابهة بين هذه العبارة، وبين قولنا: الله شيء لا كالأشياء.
ويتضح خطأهم بالتأمل فيما يلي:
الجسم هو ما ذهب في الجهات.
فقولهم عن الله إنه جسم إثبات لحقيقة الذهاب في الجهات لله.
فإذا قالوا عن الله بعد ذلك: إنه جسم لا كالأجسام، فيكون قولهم " لا كالأجسام" على معنى من المعاني التالية:
إما أن يكون نفيا لحقيقة الذهاب في الجهات؛ فتكون عبارة (( جسم لا كالأجسام )) متناقضة، لأنها أثبتت الذهاب في الجهات، في أولها، ونفته في آخرها.
إما أن يقصدوا بلفظ "جسم"، معنى غير الذهاب في الجهات، فتكون العبارة على هذا لا معنى لها.
وإما أن يقصدوا من قولهم "لا كالأجسام" نفيا لمشابهة الله تعالى للأجسام من حيثيات غير الذهاب في الجهات. أي يقصدوا إثبات أن الله تعالى جسم يذهب في الجهات، ولكنه يتميز عن بقية الأشياء التي تذهب في الجهات بأمور أخرى. فتكون هذه العبارة تشبيها محضا .
পৃষ্ঠা ৫৯