ثم إننا نسمع قعقعة المنكرين أكثر من غيرهم، لأن كثيرا من المثبتين يثبتونه لأنه يصعب على بعضهم من الناحية العقلية والفلسفية تصور الكون بغيره؛ ويصعب على غيرهم تأسيس نظام أخلاقي متين بغير تصور لوجوده تعالى. هؤلاء يثبتونه كضرورة لا بد منها، كعنصر مهم ليتكامل بنائهم الفكري أو الأخلاقي، ولكن لا يرون نحوه أي مسؤولية، ولا يرون له أي دور في الوجود سوى أنه خلقه. لذا لا نجد منهم حرصا على الرد على من ينكر وجوده، بل يعتبرونها قضية شخصية، قضية تتعلق بدور إثبات وجوده على فكر الشخص وقيمه الأخلاقية؛ فمن لم يجد في إنكاره صعوبة فلا ضير عليه في ذلك، حسب زعمهم.
على كل الأحوال، فأول خطوة نحو معرفة الله تعالى تبدأ من معرفة أنه أصل الوجود؛ فإذا آمنا بأننا كنا عدما، ثم وجدنا بفعل فاعل، فسيبدأ عند كل عاقل البحث عن صفات هذا الفاعل، وعن مراده من خلقنا.
ومعنى قولنا: إنه تعالى الموجود حقيقة، وغيره موجود مجاز؛ إن الله تعالى لا يحتاج في أصل، وديمومة وجوده إلى أحد. أما غيره فموجود بإيجاد فاعل، ويحتاج أبدا في أصل، وفي ديمومة وجوده إلى الله عز وجل. فغير الله تعالى أشبه بالظل الذي يعتمد في وجوده على الجسم. { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا } (فاطر:41)
وعلينا الالتفات إلى هذا الأمر دائما؛ ليرتكز، ويتثبت في أنفسنا أننا موجودات هشة، بيننا وبين العدم فاصل صغير، وأننا قائمون في أصل وجودنا، وفي دوامه على رحمة الله تعالى. فله الحمد حمدا يوازي نعمه، ولعنة الله تعالى على من جحد به، ورد نعمته.
ومعنى قولنا إنه تعالى قديم؛ إنه لا أول لوجوده، وإنه تعالى لم يكن أبدا عدما. وهذه الصفة تلازم إثبات وجوده تعالى. إذ إن إثبات وجوده تعالى، يقوم على أساس أنه لا بد للكون من ذات أخرجه من العدم إلى الوجود؛ فلا بد إذن من كون هذا الذات غير مسبوق بالعدم.
পৃষ্ঠা ৫২