ومن القضايا البديهية التي لا يحتاج عليها برهان، إلا من كابر، أن الشيء المعدوم لا يوجد بغير مؤثر. فإذا كان الكون عدما، فلا بد من مؤثر أخرجه إلى الوجود.
هذا المؤثر هو الله جل وعلا.
ويكاد يكون وجود الله جل وعلا، بمعنى المؤثر الذي أظهر الكون إلى الوجود، مورد اتفاق بين جميع العقلاء؛ وإنما الخلاف بينهم في ثلاثة أمور ذي أهمية كبرى، دارت حولها الأديان:
صفات الله جل وعلا : فقال بعضهم إن الله تعالى خلق الكون، ولكنه كان مجبورا في هذا الخلق؛ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ومثلوه سبحانه بالنار التي يصدر عنها النور والحرارة باضطرار منها، لا باختيار. ثم إن من أنكر هذا القول، وأثبت أن الله تعالى مختار اختلف؛ فمنهم من قال إن الخالق ليس واحدا لا مثيل له، بل له نظراء. ثم إن من أنكر هذا وأثبت وحدانية الله اختلف؛ فمنهم من قال بأنه تعالى واحد، ولكنه مركب من أكثر من شيء واحد...إلخ. وهكذا توالت الخلافات بسبب اتباع المشايخ والآباء دون النظر إلى الله سبحانه وتعالى.
علاقة الله تعالى بخلقه: فقال بعض الناس إن الله تعالى خلق الكون، ولكنه انصرف عنه وتركه لشأنه. ومنهم من قال إنه تعالى وكل خلقا من مخلوقاته يدبرون الأمر وفق ما يرونه هم من المصالح. وقال المسلمون إنه تعالى يدبر الكون بنفسه، وقد يكون ذلك بواسطة أو بغير واسطة، ولكن التدبير منه يبدأ، وإليه يعود.
علاقتنا بالله سبحانه: أما عن علاقتنا بالله تعالى؛ فهذه أيضا وقع فيها خلاف بين قائل بأن علينا أن نعبد الله مباشرة، وبين قائل بأن الله تعالى أسمى من يعبد، فلا بد من أن نعبد من دونه بعض خلقه المقربين. وقد رفض المسلمون هذا، ولكنهم كانوا قسمين:
قسم قال بأن عبادته هدف أصيل من حياتنا.
وقسم قال إنها وسيلة لتحقيق أمور أخرى هي التي لديها الأصالة.
هذه لمحة خاطفة عن الخلاف في هذه القضايا، وهي تحتاج إلى مجلدات لاستقصائها.
পৃষ্ঠা ৫০