صيغ الخلاف بعبارة "التعارض بين العقل والنقل". والظلم ظاهر؛ إذ أي مسلم بسيط التفكير يميل إلى جانب النقل عندما يسمع الخلاف مصاغا بهذه الكيفية. أما محور الخلاف فلم يكن في الواقع تعارض العقل والنقل؛ وإنما كان في : مصدر معرفة الله تعالى أهو العقل أم هو النص؟
ففي الواقع الإسلامي وجد منهجان أساسيان، ومختلفان لفهم تلك القضايا. المنهج الأول يستند إلى العقل ليفهم به النص؛ والآخر يستند إلى النص ليكيف به العقل.
المنهج الأول: يرى أن النص حمال ذو وجوه، وأنه يحتمل معان متعددة وأحيانا متباينة. ولذلك فإن النص، أيا كان أصله، لا يفهم فهما سليما إلا من خلال الاستناد إلى أمر خارج عنه، هذا الأمر هو الواقع، وهذا الواقع لا يستكشف إلا من طريقين:
الطريقة الأولى هي الحس والمشاهدة.
والطريقة الثانية هي الاستدلال بالعقل.
وفيما يتعلق بمعرفة الله؛ فنحن نعلم أنه تعالى لا يعلم بالحس ولا بالمشاهدة، فليس لنا وسيلة إلى معرفته إلا الاستدلال بالعقل.
والنص وفق هذا التصور لا يملي على العقل معلوماته عن الله تعالى، بل يثير انتباهه إلى ما كان غفل عنه العقل، ولربما ظل كذلك لدقة بعض تلك الحقائق. إلا إن هذه الحقائق التي كان غافلا عنها، والتي آثار النص انتباهه إليها، من شأن العقل أن يصل إليها بمفرده، لو قدرنا وافترضنا أن العقل وجه توجيها سليما. النص يثير دفائن العقول بحيث يصل العقل بنفسه إلى معرفة الله تعالى.
هذا التصور يعني أننا عندما ننسب إلى الله تعالى الحكمة، فإننا ننسب إليه المعنى لا اللفظ. ونحن قادرون على فهم المراد بالحكمة في هذا السياق، بل وقادرون على إثبات الحكمة لله، وإن لم يأت بذلك نص. نحن نعقل هذه المعاني، ولا نكرر ألفاظها كلما ذكرناها. النص في هذا المنهج يرشد العقل إلى إدراك الواقع.
পৃষ্ঠা ৩৯