الأولى: إن الفعل بذاته لا يحكم عليه بقبح ولا بحسن. فالضرب والقتل والعطاء مثلا لا يحكم عليهم بحسن أو قبح، إلا إذا علمنا الصفة التي وقع عليها الفعل. فالضرب إذا وقع على جهة التعدي فهو قبيح، وإذا وقع للتربية فهو حسن. والقتل إذا كان تعديا فهو قبيح، وإذا كان قصاصا فهو حسن. والعطاء إذا كان للخير كان حسنا، وإذا كان للمن فهو قبيح.
الثانية: إن اتصاف الفعل بكونه قبيحا، أو حسنا لا علاقة له بالفاعل. فالظلم قبيح من غير نظر إلى من فعل الظلم. والكذب قبيح من غير نظر إلى من فعل الكذب. ومؤدى هذا، أن الظلم يقبح من العبد، ويقبح من الله. والكذب يقبح من العبد، ويقبح من الله. والعبث يقبح من العبد، ويقبح من الله.
وسيأتي أن هذه الأفعال يقدر الله سبحانه عليها، ولكنه لا يفعلها أبدا.
أما الجهل، فلا يتصور من الله أصلا لأنه يستحيل عليه الجهل. وكذلك الكفر يستحيل عليه، لأن الكفر هو حجود النعمة، والله تعالى لا منعم عليه.
الثالثة: إن العقل يدرك ويجزم بما سبق قبل ورود الشرع. وهذا أهم خلاف في هذه المسألة.
ذلك إن بعض المسلمين قالوا :إن تلك القضايا لا تعلم إلا بالشرع، فلا قيمة لها ولا مصداقية لها قبل وروده.
فقالوا: الظلم قبيح، لأن الله حرمه. والكذب الضار قبيح لأن الله حرمه. والشكر حسن لأن الله ندب إليه. والعدل حسن لأن الله أمر به.
كما قالوا: لو صح لنا من الشرع أن الظلم حسن، لقلنا إنه حسن. ولو صح لنا أن الكذب حسن، لقلنا إنه حسن. وقالوا أيضا: لو صح لنا من الشرع أن الشكر قبيح لقبحناه؛ ولو صح لنا من الشرع أن العدل قبيح، لقبحناه.
فريق آخر من المسلمين قال: إن صحة تلك القضايا تعلم قبل الشرع. وإن الشرع لا يمكن أن يأتي بحكم يخالف هذه الأحكام. فلا يمكن أن يرد من الشرع حكم فيه تحسين الجهل أو العبث أو الظلم. كما لا يمكن أن يرد من الشرع حكم فيه تقبيح العدل او العلم أو الشكر.
পৃষ্ঠা ৩৬