4. ثم إذا رأى بعد ذلك المصائب النازلة من الله تعالى، وقد رأى حول كل مصيبة واحدة ألاف وألاف النعم العظام؛ فسيعلم أن منزل هذه المصائب إنما أنزلها لمصلحتنا، وليس لتعذيبنا، فيرضى بذلك. وكيف ينزلها الله لضرنا وقد أحاطنا بنعمه. ولو أراد الله تعالى منها الضرر، لما عجز عن رفع ما بنا من نعم. ولكن القلوب المريضة، الكافرة بالنعمة، والجاحدة للمعروف لا ترى إلا بعين السخط؛ سخط الله عليها، وأعد لها ما تستحقه من غضبه؛ وجعلنا من من يشكر نعمته، ويرضى بقضائه.
فعلى الجملة لا ينكر عاقل منصف، أن العبودية هي السبيل الذي يجب أن يسلكه الإنسان في هذه الحياة، والأدلة على ذلك أوسع مما يحاط. والعبودية لا يمكن أن تتحقق إلا بأن نعرف الله تعالى. ويظهر هذا بجلاء بالتأمل فيما سبق.
فالخضوع والاستسلام لله تعالى، لا يتحقق إلا بمعرفة أنه قادر على كل شيء، عالم بكل أمر.
ومحبة الله كذلك، فبقدر ما يعرف الإنسان نعم الله عليه، واستغناء الله تعالى عنه، بقدر ما سيحبه.
وكذلك التسبيح والحمد، لا يمكن أن يكونا ذا معنى إلا بالمعرفة. ذلك أن التسبيح تنزيه لله تعالى عن ما لا يليق به. وهذا يقتضي أن يعرف المسبح ما لا يليق بالله تعالى، وما يليق به جل جلاله. فكيف ينزه الله تعالى من لم يميز بين ما هو لائق بالله، وبين ما هو غير لائق به. أما الحمد لله، فهو نسبة الكمال إلى الله؛ وكيف ينسب إليه الكمال من لم يعرف وجوه الكمال، وما يصح نسبته إلى الله، وما لا يصح نسبته إلى الله.
والدعاء الذي هو مخ العبادة من حيث أنه تتجسد فيه حاجة الداعي إلى المدعو إليه، وخضوعه أمامه لا يمكن أن يتحقق إلا بمعرفة الله تعالى. فهل يمكن أن ندعو من لا نوقن بإجابته؟ وهل ندعو الله ونحن لا نعلم أنه تعالى ولي حاجاتنا؟ وهل نعرف هذه الأمور بغير أن نعلم أنه القادر على كل شيء؟ العالم بكل شيء؟
পৃষ্ঠা ২০