ثانيا: وهذا الأهم، أن يكون في نيته اتباع الدليل وليس اتباع قول من قال. وفقدان هذه النية تجعل كثير من الناس حتى بعض العلماء مقلدين؛ حتى وإن كانوا يحررون المسألة تحريرا دقيقا، ويبينون ما قيل فيها بشكل موسع ومفصل. فالعمدة في التقليد ليس مجرد عدم إظهار الدليل، بل هو عدم اعتماد الدليل، وبينهما فرق. فالأولى حالة عملية، والأخرى حالة نفسية. التقليد أخذ قول الغير أولا، ثم البحث عن ما يصلح للاستدلال عليه؛ والعمدة في عدم التقليد هو النظر في الأقوال، ثم اختيار القول الموافق للدليل. وحيث إن الحالين يبدآ من أخذ الأقوال، فإن في كثير من الحالات الفرق بين المقلد وغير المقلد غير ظاهر للعيان، ويكون في القلب، ولا يظهر إلا في النوايا، فلا يعلمها إلا الله تعالى.
وجوب معرفته تعالى وأنها أهم الواجبات
قلنا إن معرفة الله أهم الواجبات، وتم بيان موجز لمعنى المعرفة، والآن نأتي لمعنى وجوبها، ثم لمعنى كونها الأهم من بين الواجبات.
معنى الواجب
الواجب من الأفعال هو الفعل الذي تدعو الحكمة إلى فعله دعوة جازمة. وذلك بأن يكون في الفعل مصلحة قطعي وقوعها، مع كون ترك الفعل فيه مفسدة.
ويطلق الواجب على أفعال الله جل جلاله، كما إنه يطلق على أفعال العباد؛ إلا أنه قد كره الكثير من العلماء إطلاقه على أفعال الله تعالى، بسبب ربط العامة من الناس بين لفظ الواجب وبين وجود من يوجب. فأولئك العلماء يجوزون إطلاق المعنى، ولكنهم يكرهون استعمال اللفظ.
أما معنى الواجب في حقه تعالى فهو ما قاله عن نفسه جل جلاله: { كتب ربكم على نفسه الرحمة } (الأنعام:54)
فإذا أطلق الواجب على أفعال الله جل جلاله، فالمعنى أن هذا الفعل سيقع حتما، لأن حكمته تعالى اقتضت ذلك من حيث أن فيه مصلحة(1).
পৃষ্ঠা ১৫