وبقدر مرتبة المعرفة يكون تأثيرها على العارف. فهناك عارف يتأثر بما يعرفه تأثرا شديدا، وهناك عارف لا يتأثر إلا قليلا. ولعل أبرز مثال لهذا في حياة المسلم هو اختلاف تأثرنا بمعرفتنا أن هناك جنة ونار. فالكل يعرف أن هناك جنة، والكل يعرف أن هناك نار، ولكن التفاوت في التأثر بهذه المعرفة من شخص لآخر كبير. فهناك من يتأثر تأثرا يمنعه من التفكير في ما سواهما. وهناك من يتأثر بحيث يتجنب ما يدخله النار فحسب، ولا يسعى سعيا حثيثا لرفع منزلته في الجنة. وهناك من يتأثر تأثرا ضعيفا بحيث يعمل ما يدخله النار، ويبعده من الجنة كما لو أنه لا يؤمن بهما أصلا.
وشدة التأثر تعود إلى مرتبة المعرفة من حيث الكم، ومرتبة المعرفة من حيث الشدة. ولكن هناك عاملا آخرا يؤثر تأثيرا أساسيا على شدة التأثر بالمعرفة، وهو التفات الإنسان إلى هذه المعرفة. والالتفات لهذه المعرفة له ثلاث جهات:
الجهة أولى: بأن يكثر من استحضار هذه المعارف في عقله ووجدانه.
الجهة ثانية: الالتفات إلى ما يلزم عن هذه المعرفة في حياته اليومية، فمن عرف أن الله يعلم السر وأخفى، أدرك أن نواياه مكشوفة أمامه تعالى.
الجهة ثالثة: العمل وفق ما يلزم عن هذه المعرفة، فمن أدرك أن نواياه مكشوفة أمامه تعالى، فلا يخالف الله في أمر من الأمور.
ولأن المعرفة مراتب، فلا بد أن يكون للباحث من مرتبة يريد الحصول عليها كنتيجة لبحثه. وقد جعلت المرتبة المطلوب تحقيقها من هذا البحث هي:
تحقيق الحد الأدنى من الاطمئنان إلى صدق ما نعرفه، وذلك بأن نعرف ما نعرفه بالدليل مع الإشارة إلى بعض الاشكالات(1) .
পৃষ্ঠা ১৩