[8_2]
سلاسته، وتأثيره في النفس.
تبدل الأسلوب:
عرضت بواعث كثيرة لأولى الأمر من العرب بكثرة الفتوح، وانتشار الإسلام، وتمازج الفاتحين بأجناس من الأمم، فاحتيج إلى التعاهد والتعاقد، والتدريب والترتيب، والمرادات والمشادات، ودعت الحال إلى أن يخطب ويكتب في ضروب من الكلام، وما خرج الكاتبون مع هذا عن معهود طريقتهم، لا يتعدون إذا أطالوا في رسائلهم الأسلوب القديم بحال؛ يتوسعون في المعاني للإقناع والتأثير، واستيفاء الموضوع من عامة أطرافه، ويبقون الألفاظ والتراكيب على النسج الذي عرفوه، لا يكثرون من اللفظ إلا بقدر ما يصورون المعاني، ويجمعون شتيت المقاصد، ولا يستخدمون من الكلمات إلا الشائعة في الاستعمال، ولا من المعاني ما يعلوا عن أذهان عامة الطبقات، ولا من السجع إلا ما وافق الطبع.
وزادت مع الزمن من أعمال الملك والسلطان، وحدثت للناس مشاكل وعضل وخيف ضياع العلم، فدعت الضرورة إلى تدوين أمهات المسائل في الدين واللغة والشعر والأخبار والسير، والكتابة لم تبرح على ما كانت، يتبسطون في الفكر والشعر، ويبعدون عن التزيد والتزين، ويراعون الإيجاز ما أمكن، ويحتفظون أبدا بالطريقة المأثورة عن أهل الصدر الأول؛ فكان التوسع في الأغراض والمطالب فقط، وما خرجوا عن الألفاظ والقوالب المشهورة. وفي كلام التابعين، ومن جاء بعد عصرهم من رواة العلم، جمل قليلة تقرءوها في كتب التفسير والسنة والتاريخ والرجال، فتناديك بأن الطريقة القديمة في أداء الكلام لم يدخلها تغير ولا تبديل.
جاء من الأمويين كتاب بلغاء، وخطباء أنبياء، جروا في ترتيب دولتهم على سنة من تقديمهم في الرسائل والعهود. وفي الموجزات من رسائل عمر بن عبد العزيز مثال من البلاغة، لو لا أن اختلط كلامه بما كتبه له كتابه، وكان يكتب بيده إلى
পৃষ্ঠা ৮