[7_2]
قيل: فهل كانت توجز؟ قال: نعم ليحفظ عنها.
لا جرم أن الإيجاز من طبع العرب وطبيعة لغتهم، وتخير الألفاظ من شأن كل بليغ. والعرب كما قال ابن جني تعني بألفاظها وتصلحها وتهذبها وتلاحظ أحكامها. قال فإن المعاني أقوى عندها واكرم عليها، وأفخم قدرا في نفوسها؛ فأول ذلك عنايتها بألفاظها. فإنها لما كانت عنوان معانيها، وطريقا إلى إظهار أغراضها ومراميها. أصلحوها وبالغوا في تجييدها وتحسينها، ليكون ذلك أوقع لها في السمع، وأذهب في الدلالة على القصد. وللمتأخرين آراء كثيرة في هذا الشأن، ومنا ما قاله الجرجاني: لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه، ولا يكون لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك، وقولهم يدخل الأذن بلا إذن، فهذا مما لا يشك العاقل في أنه يرجع إلى دلالة المعنى على المعنى، وأنه لا يتصور ان يراد به دلالة اللفظة على معناه الذي وضع له في اللغة.
كانوا يكتبون الرسالة في المقصد الكبير، ويضعون الخطاب في أعظم المعضلات. في إيجاز لا فضول فيه، عار على المقدمات والتزويق، يقيمون لكل لفظ معناه، ولكل معنى لفظه، وجودة اللفظ تبع لجودة المعنى: وعلى منوال الخطابة نسجت الكتابة، وعلى طريق الخطباء مشت الكتاب. ذلك لأن الرسائل والخطب متشاكلتان في أنهما كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية، وقد يتشاكلان أيضا من جهة الألفاظ والفواصل. فألفاظ الخطب تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة، وكذلك فواصل الخطب مثل فواصل الرسائل، والفرق بينهما أن الخطبة يشافه بها بخلاف الرسالة، والرسالة تجعل خطبة، والخطة تجعل رسالة، في أيسر كلفة. قال ذلك العسكري، وذكر غيره أن الخطابة نوع من منثور الكلام، تأخذ من النثر تصوير الحقائق وإبلاغها النفوس من دون إتعاب ذهن، ولا تكلف في الأداء، ومن النظم
পৃষ্ঠা ৭