حنانيك يا آلهة؛ زيوس، مينرفا، أبوللو!
7
أين هو فيبطش بالجبارين كما بطش بغليوميليد العتي من قبل؟ تالله لقد اقتربت ساعتهم وأزفت آزفتهم، فطب نفسا يا بني، إني منيبك بما علمته عن أبيك من «بروتيوس» راعي الأعماق وكاهن الأغوار.
ضلت بنا الفلك بما نسينا من التضحية باسم الآلهة، فبلغنا شطآن مصر، ورسونا عند جزيرة فاروس بحيث كان في مقدورنا أن نروى من كوثر هذه البلاد التي تجري من تحتها الأنهار، ثم لبثنا ثمة عشرين يوما لا تجري بنا ريح ولا يرفه عنا نسيم، حتى نفد الصبر وفرغ الزاد، وظننا أنه المعاد، لولا أن رثت لنا إحدى عرائس البحر فبرزت إلينا، وكانت لنا غوثا أي غوث، كنت أجلس وحدي في منعرج بأحد أطراف الجزيرة، وكان بقية صحبي وأكثر الملاحين يرتادون الماء بشصوصهم؛
8
عسى أن يحصلوا على سمك طري يكون غذاء لنا، إذ برزت عروس الماء «إيدوتيا» الجميلة، ابنة كاهن الأعماق بروتيوس، وتهادت حتى كانت تلقائي ثم جلست لجانبي وحدثتني فقالت: «أيها النازح الغريب، أكبر الظن أنك مذهوب بك أو أن بك مسا، أو أن طائفا من الجنون قد ألم بك، أو أنك قد آثرت الشقاء السرمدي حيث لصقت بأرض هذه الجزيرة فما تنوي مضيا ولا تلتمس مخرجا ولو هلك كل أصحابك.»
إن الآلهة لا تملك أن تحول بين المرء وبين المنون ما دام قد جاء أجله، مهما يكن حبيبها.
ولم أبال أني شدهت، فسألتها قائلا: «حسبك يا ربة، إني ما لصقت بأرض هذه الجزيرة بأمري، ولا أقمت فيها بمرضاتي، بل كان ذلك قدرا علي مقدورا، ولكن خبري بحقك؛ إذ الآلهة تعلم كل شيء، من من أرباب السماء يحبسني هنا؟ هل مقدور لي أن أرتد إلى وطني فوق غوارب هذا اليم المضطرب.»
وقالت عروس الماء: «أيها النازح الغريب، سأنبئك فأصدقك، إنك الآن مقيم بشطآن مصر التي تقع تحت إشراف أبي بروتيوس، سيد الأعماق ورب المياه المصرية، والمتصل برعايا نبتيون في أغوار هذا البحر، فإذا استطعت أن تتغفله فتقبض عليه وتشد وثاقه؛ فإنه يقفك على أبعاد هذا اليم، والطريق السوي الذي ينتهي بك سالما غانما إلى بلادك، بل ربما - إذا طلبت إليه ذلك - وقفك على كل ما حصل في بيتك من خير أو شر خلال سفرتك الطويلة؛ لأني أعرف أنك صفي السماء وحبيب الآلهة.»
غير أني لم أدر كيف تستطيع أيدي بني الموتى أن تقبض على هذا الإله البحري الكريم ، ولم أخف عليها ذلك بل حدثتها به، وذكرت لها أنه ربما ولى دبره إذا شعر مني بهذه المحاولة فلا أستطيع لقاءه بعدها أبدا، بيد أنها طمأنتني وذكرت أن أباها يخرج من الأعماق في الظهيرة إلى جون قريب حيث يستلقي برهة وسط قطعان كثيفة من عجول البحر، من ذراري هاليسودنا الجميلة، تأتي هي الأخرى في أثره لتنام ثمة ... «فإذا كانت هذه الساعة فإني سأقودك بنفسي إلى هناك، وليكن معك من رجالك ثلاثة هم أشجعهم وأكثرهم قوة، وسأدلكم على منعرج آمن تنتظرون به حتى يكون قد غلبه الكرى، ثم تنقضون عليه فتكبلونه وتشدون وثاقه، وإياكم أن يرهبكم بشيء أبدا، إنه سيكون تارة سيلا رابيا، وتارة سيكون نارا ترمي بشرر كالقصر، كأنه جمالات صفر، وأخرى يكون أفعوانا هائلا ينفث السم، ولكن خذوه أخذا شديدا، ولا تقتلوه فتهلكوه؛ فإنه إن آنس فيكم قوة عاد فانتفض إلى صورته الأولى التي رأيتموه عليها، ثم ترونه بعد ذلك وقد أسلس قياده، وهدأ وتطامن. فإذا فعل ذلك سألكم عن حاجتكم، ففكوا وثاقه وأطلقوا سراحه وسلوه ما شئتم، فإنه مجيبكم عما تسألون.» •••
অজানা পৃষ্ঠা