سأتحدث إليكم في هذه الليلة عن هذا التعاون وأبين لكم الإجراءات التي قررت حكومة الجمهورية تحقيقها باتفاق مع الحضرة العلية، وهذه الإجراءات هي المراحل الأولى لتطور ضروري لا بد منه.
ثم وجه القول إلى الجالية الفرنسية المتعنتة في تمسكها بالحالة الراهنة وفي معارضتها لكل إصلاح حقيقي: «وفي اعتقادي أن الجمود خطأ؛ لأن كل شيء يتطور حولنا وما دام التطور ناموسا طبيعيا فلست أرى كيف يمكن أن يخيف كائنا من كان.»
وأخيرا صرح بأن الهدف النهائي هو الاستقلال الداخلي: «ولكن من الإنصاف أن تسلك البلاد التونسية سبيلها بعد إدخال تغييرات تدريجية على منشآتها لبلوغ مرتبة الحكم الذاتي الداخلي.»
وهكذا تراجعت فرنسا في وعدها بالاستقلال قبل أن ييبس الحبر ويجف القلم الذي سطر به، وإن عادتها أن تتضاءل الوعود الكبيرة وتضيق محتوياتها كلما ازدادت من الإنجاز قربا ومن التطبيق دنوا.
وليست نية فرنسا أن تعطي تونس استقلالها الداخلي الناجز، بل ستسير فيه حسب مراحل متعددة ربما يطول أمدها وتتمطط آجالها، وستكون أولى المراحل تحوير السلطة التنفيذية وإصلاحها الجوهري إذ: «قررت الحكومة الفرنسية أن كيان حكومة تونس طبقا للنظام الذي وضع لها في عام 1947 ينبغي إدخال تعديلات عليه من شأنها تعزيز ذاتيتها وتوفير وسائل عملها وجعلها أداة رقي للمنشآت التونسية فضلا عن كونها صالحة لسير الأمور في البلاد التونسية.
والحكومة الفرنسية عازمة على أن تبرهن على صادق عزمها على جني ثمار التطور التدريجي الذي يبلغه الشعب التونسي حتى تنمو روح الوعي السياسي وتزداد كفاءة الأهلين في إدارة شئون البلاد.»
فهل ستكون السلطة التنفيذية في أيدي التونسيين؟ أم سيبقى بعضها في قبضة الفرنسيين؟ وهل ستتكون حكومة تونسية بالمعني الكامل وتصبح الوزارة لا تشمل بين أعضائها غير التونسيين؟ أم يحتفظ مجلس الوزراء بتركيبه مناصفة بين التونسيين والفرنسيين؟ لم يجب المقيم العام عن سؤال واحد من هذه الأسئلة ولم يوضح طريق حل تلك المشاكل.
وقد كان البند الثاني من مشروع الإصلاحات لا يقل غموضا عن البند الأول، وهو يقرر «إشراك النخبة التونسية في إدارة شئون بلادهم؛ فإن الحكومة الفرنسية عازمة كل العزم على أن توسع في المستقبل القريب الطريق للتونسيين القادرين على القيام بأعباء المسئوليات الفنية المطلوبة عن جدارة.»
هل معنى هذا أنه سيصبح للتونسيين الحق في القيام بأعباء الوظائف العامة في بلادهم، وتحت سماء وطنهم، والواقع أن النظم الإدارية التونسية لم تبعد التونسيين عن المناصب الإدارية، ولكن الفرنسيين اغتصبوها اغتصابا وأبعدوا عنها أبناء البلاد واحتكروها لأنفسهم، وليس إرجاع الحق لأصحابه مما يتطلب قانونا جديدا خاصة وأنهم لم يحرموا منه بقانون سابق، فهل يكون الإصلاح إذن إصدار مرسوم ملكي يحدد جنسية الوظيفة العامة بتونس؛ إذ لا يمكن أن تكون غير تونسية ، ويحدث لها نظاما كاملا يكون تونسيا أيضا، ذلك ما لم يتعرض له المقيم العام في خطابه.
ثم إنه تحدث عن البلديات ومنافعها عندما تصبح منتخبة فكان كلامه مجملا أيضا يكتنفه الغموض من كل جانب. «إن الحكومة الفرنسية عازمة على البحث عاجلا عن إمكانية تحقيق التطور للنظم البلدية التي تمكن السكان الذين يهمهم الأمر من المشاركة مباشرة في تسيير شئون المجتمعات المحلية لتنمية الروح القومية والحصول على تجارب في ممارسة النيابات العامة في مثل هذا الميدان تتكون الرجال.
অজানা পৃষ্ঠা