ونزل بالقيروان إبان الحكم التركي ما نزل بغيرها من النكبات، وأراد الباي مراد عام 1701م عقاب أهلها على فتنهم فخرب الأسوار والدور، ولم يبق فيها إلا المساجد والزوايا، بينما بذل حسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية جهودا عظيمة لتعمير القيروان، فجدد السور الحصين، وعمر أكثر من خمسين مسجدا، وشيد لنفسه قصرا يقيم فيه إذا خرج رجاله إلى الجريد؛ لجباية المكوس، وعطف الأهلون على الباي ونصروه على ابن أخيه علي باشا، الذي لم يستطع الاستيلاء على القيروان، إلا بعد حصار دام خمسة أعوام، وهدمها الأمير الظافر مرة أخرى، ثم أعيد بناؤها، فكانت عام 1784م أعظم مدينة بعد تونس، بل كانت أفخم منها بناء، وأنظف طرقا.
ونشطت فيها التجارة والصناعة، وأعفي أهلها من الضرائب لولاء آبائهم للباي حسين، واحتفظت القيروان بحرمتها الدينية، وظل سكانها على عدائهم للنصارى.
ولما أبرمت معاهدة باردو عام 1881م التي جعلت تونس تحت الحماية الفرنسية، ظلت القيروان معقلا من معاقل الحركة الوطنية، فسيرت لها فرنسا ثلاثة جيوش تحت قيادة الجنرال سوسييه، زحفت من تبسة، وتونس، وسوسة، وتلاقت أمام أسوار المدينة، فاحتلتها بلا قتال في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1881م.
المهدية
مدينة على ساحل تونس الشرقي، كان المؤرخون الفرنجة في العصور الوسطى يسمونها مدينة إفريقية، وقد بنيت بين سوسة وسفاقس في شبه جزيرة صغيرة ينتهي عندها رأس إفريقية، ويصلها باليابسة برزخ ضيق كما يتصل الكف بالمعصم، وكان في موضع المدينة دون شك محلة فينيقية وقرية رومانية، وقد سميت بالمهدية نسبة إلى المهدي عبيد الله الشيعي الذي أسسها وحصنها سنة ثلاثمائة من الهجرة، بعد أن قرأ الطالع، وأنبئ بالأخطار التي قد تهدد الفاطميين، وكان بها سور من الحجارة الصغيرة، يمتد ناحية الجنوب على طول الشاطئ، ولا تزال منه أبراج قليلة باقية إلى اليوم، وكان السور يحمي الميناء، وهو ثغر فينيقي قديم اكتشف بين الصخور، تدخل إليه السفن من باب كبير على جانبيه حصنان منيعان، وعلى مسافة قليلة دار الصناعة البحرية، وكان السور منيعا محصنا بأبراج مدورة ومربعة، وأمامه من جانب البرزخ حائط يخترقه باب لا يزال إلى الآن قائما، وبأعلى موضع في شبه الجزيرة قصبة تركية قديمة، ربما بنيت مكان قصر المهدي، ولعل قصر ابنه القائم كان أمامها ناحية الغرب، ومن آثار الفاطميين بالمدينة كذلك مسجد كبير بني بالقرب من البحر لا تزال آثاره باقية إلى الآن، وبجواره دار المحاسبات ووراء شبه الجزيرة ضاحية زويلة، وموضعها معروف إلى اليوم، وقد اكتشفت عندها مخلفات قديمة من بينها آثار من الزجاج.
وبعد أن ترك المهدي رقادة القريبة من القيروان ذهب سنة 308ه ليقيم بالمهدية، وازدهرت المدينة لما صارت قصبة الدولة، وأصبحت - كما يقول ابن عذارى - أعظم مدينة في بلاد المغرب، وقد خرج من توزر أبو زيد أحد ثوار الخوارج، وأصبح سيدا على بلاد إفريقية بأسرها، وظل يحاصر المهدية خمسة أشهر وبها القائم بن عبد الله، وانتهى الحصار بالفشل، فكان ذلك إيذانا بزوال دولة الخارجي، وكان الفاطميون يلجئون إلى المهدية إذا أحدقت بهم الأخطار، كذلك كانت بعد قرن من الزمن ملجأ أفراد الزيرية عندما ذهبت بملكهم غزوة الهلالية، وحدث عام 449ه أن المعز الزيري هجر القيروان إلى المهدية ومنها خرج، وخلفاؤه بعده ينشدون إعادة دولتهم، وكذلك جعلوها قاعدة لغاراتهم البحرية.
وفي المهدية تهيأت الأسباب للقرصان، فكانت أمنع معقل للقرصنة التونسية، وهكذا ظلت إلى الزمن الحديث، وأغار على المدينة أهل صقلية وبيزة وجنوة ردا لغارات القراصنة المسلمين، وفي عام 1087م سقطت المدينة في يد القوات المسيحية المتحالفة، واستولى عليها النورمان مرة أخرى سنة 1148م، ثم حوصروا فيها برا وبحرا حين فتح عبد المؤمن الموحدي إفريقية، وعادت المدينة إلى قبضة المسلمين، ولكن النورمان استولوا عليها مرة أخرى ونهبوها. ثم عقدت معاهدة صلح مع وليم الثاني ملك صقلية واستطاع النورمان الاتجار معهما، وأتى عهد بني غانية أمراء المرابطين، فاستولى على المدينة مغامر ادعى الخلافة اسمه عبد الكريم الرغراغي، وأدت هذه الفتن إلى استعمال أحد الموحدين من بني حفص على إفريقية، ومن ثم أصبحت المهدية إحدى حواضر المهديين، وكان يعهد بحكمها في الغالب إلى أحد أبناء سلطان تونس، وأدى نشاط القرصنة المستمر إلى قيام حملة من جنوة سنة 1390م يؤيدها شارل السادس ملك فرنسا، الذي سير إليها أسطوله وفرسانه، وقاومت المهدية ولكنها أجبرت على دفع الجزية للنصارى. ولما غزا شارل الخامس تونس احتلت المدينة حامية إسبانية، وفي العام التالي استولى عليها القرصان درغوث، ثم أسره أسطول أندريا دوريا، ولكنه أطلق سراحه فعاد إلى المدينة، وثبت قدمه فيها. وفي سنة 1550م حاصر دوريا المدينة حصارا مشهورا وانتزعها من درغوث وعهد شارل الخامس بأمرها إلى فرسان مالطة فأبوا، وبعد قليل عادت المهدية إلى سلطان المسلمين، ونهضت من كبوتها، وظلت تحت الحكم التركي إلى القرن التاسع عشر وكرا للقرصنة ومثارا للرعب في قلوب تجار النصارى، وبقيت كذلك تسعمائة عام.
وهي الآن بلدة صغيرة يسكنها حوالي عشرة آلاف نسمة، يرتزقون من صيد السمك وعصر الزيوت.
بنزرت
مدينة على الشاطئ الشمالي لبلاد تونس، تبعد أربعين ميلا ناحية الشمال الغربي من مدينة تونس، وبنزرت على خط طول 53
অজানা পৃষ্ঠা