فعند ذلك أرسلوا إلى مالك بن فهم يطلبون منه أن يمن عليهم بأرواحهم ويجيبهم إلى الهدنة والصلح , وأن يكف عنهم الحرب ويؤجلهم إلى سنة ليستظهروا على حمل أهلهم من عمان , وأن يخرجوا منها بغير حرب وقتال؛ وأعطوه على ذلك عهدا وجزية على الموادعة؛ فأجابهم مالك إلى ما طلبوه وسألوا منه وهادنهم وأعطاهم على ذلك عهدا وميثاقا أنه لا يعارضهم بشيء إلا أن يبدأوه بحرب وقتال؛ فكف عنهم الحرب؛ وأقرهم في عمان على ما سألوه , فعادوا إلى صحار وما حولها فكانوا هناك؛ وكانت الأزد ملوكا في البادية وأطراف الجبال؛ وانحاز مالك إلى جانب قلهات.
فيقال إن الفرس في مهادنتهم تلك طمسوا أنهارا كثيرة وأعموها , ثم إنهم من فورهم كتبوا إلى الملك دارا بن دارا فأعلموه بقدوم مالك بن فهم ومن معه إلى عمان وقتله لقائده المرزبان في جل قواده وعسكره , وما كان من شأنه , ويخبرونه بما هم فيه من الضعف والعجز , ويستأذنوه في التحمل إليه بأهلهم وذراريهم إلى فارس , فلما بلغ ذلك الملك دارا غضب غضبا شديدا وداخله القلق , وأخذته الحمية لمن قتل من أصحابه وقواده فعند ذلك دعى بقائد من عظماء مرازبته وأساورته وعقد له على ثلاثة آلاف من أجلاء أصحابه وشجعان مرازبته وقواده وقدمه فيهم وبعثه مددا لأصحابه الذين بعمان؛ فتحملوا إلى البحرين ثم تخلصوا إلى عمان.
وكل هذا لم يدر به مالك بن فهم , فلما وصلوا إلى أصحابهم أخذوا يتأهبون للحرب حتى انقضى أجل الهدنة , فجعل مالك يستطلع أخبارهم فبلغه وصول المدد إليهم؛ فكتب إليهم أني قد وفيت لكم بما كان بيني وبينكم من العهد وتأكيد الأجل , وأنتم بعد حلول بعمان , وبلغني أنه قد أتاكم من قبل الملك مدد عظيم وأنكم تستعدون لحربي وقتالي , فإما أن تخرجوا من عمان طوعا وإلا زحفت عليكم بخيلي ورجلي ووطئت ساحتكم؛ وقتلت وسببت الذراري وغنمت الأموال.
পৃষ্ঠা ২১