فجعل يحرضهم ويأمرهم بالصبر والجلد , ويدور عليهم راية راية , وكتيبة كتيبة , حتى استفرغ جميع كتائبه وعساكره. ثم إن المرزبان زحف بعسكره وجميع قواده وجعل الفيلة أمامه , وأقبل نحو مالك بن فهم وأصحابه , ونادى مالك أصحابه بالحملة عليهم فقال يا معشر فرسان الأزد: احموا معي فداكم أبي وأمي على هذه الفيلة فاكتنفوها بأسنتكم وسيوفكم , ثم حمل وحملوا معه على الفيلة بالرماح والسيوف ورموها بالسهام , فولت الفيلة راجعة بحملتها على عسكر المرزبان , فوطئت منهم خلقا كثيرا , وحمل مالك في كافة أصحابه وفرسانه على المرزبان وأصحابه فانتقضت تعبئة المرزبان وجالوا جولة ثم بانت العجم , ورجعت إلى بعضها بعض , وأقبلت في حدها وحديدها , وصاح المرزبان في أصحابة وكافة جنوده وأمرهم فحملوا , والتقى الجميع واختلط الضرب واشتد القتال , فلم تسمع إلا صليل الحديد ووقع السيف واقتتلوا يومهم ذلك ما يكون من القتال , وثبت بعضهم لبعض إلى أن حال بينهم ظلام الليل , فانصرفوا وقد انتصف بعضهم من بعض؛ وابتكروا من غد بالحرب , واقتتلوا قتالا شديدا , وقتل في اليوم الثاني من الفرس خلق كثير؛ وثبت لهم الأزد فلم يزالوا كذلك إلى أن حال بينهم الليل وانصرف بعضهم عن بعض وقد كثر القتل والجراح في الجميع.
فلما أصبحوا في اليوم الثالث زحف الفريقان بعضهم إلى بعض فوقفوا مواقفهم تحت راياتهم؛ وأقبل أربعة نفر من المرازبة والأساورة ممن كان يعد الرجل منهم عن ألف رجل حتى دنوا من مالك فقالوا هلم إلينا لننصفك من بأنفسنا ويبادرك منا رجل رجل؛ فتقدم إليهم مالك وخرج إليه واحد منهم وطارد مالكا ساعة؛ فعطف عليه مالك ومعه نجدة الملوك وحمية العرب؛ فطعن الفارس طعنة حطم بها الرمح في صلبه , فوقع الفارس إلى الأرض عن فرسه؛ ثم علاه مالك بالسيف فضربه فقتله.
পৃষ্ঠা ১৯