(قالوا: يريده عقوبة على الإصرار كما صرحت به الآية، قال سبحانه: {وما يضل به إلا الفاسقين} {والله أركسهم بما كسبوا}، ونحو ذلك ورد بأن ذلك) رافع محل النزاع، لأن ذلك (راجحا) أي الفعل حينئذ (لرجحان حكمته) وهي العقوبة والسلب بعد العطاء والحرمان بعد الرضى، قال سبحانه: {فلما آسفونا انتقمنا منهم}، وقال: {فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} وإنما النزاع في إرادة المرجوح وكلامنا في الراجح ونفي إرادة المرجوح (إذ الفعل الواحد قد يكون ملزوما للازمين ظاهر مرجوح وخفي راجح فيفعل ويراد للراجح منهما كقتل الترس) واليمين الفاجرة من منكر الحق والكي لذات الجنب، (وإن استلزم فعله للراجح وقوع المرجوح فغير مراد) لله تعالى (كإرسال الرسل للهداية) هذا الراجح (وإن ضل به من يضل) من المشركين وهو المرجوح (فالله أراد) الراجح وهو (الهداية) بل ما من فعل إلا ومصلحته مقترنة بمفسده، وإنما يحسن ويقبح للراجح منهما في أفعال الله سبحانه كما تقدم، وفي بعض أفعال العقلاء (قالوا، قال صلى الله عليه وآله وسلم لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم كي يذنبوا فيغفر لهم عند مسلم وغيره من حديث أبي هريره وأبي أيوب)، وله شواهد عن جماعة من الصحابة فأراد منهم الذنب لأجل يغفر لهم (قلنا: قال تعالى: {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون} فبين سبحانه إرادة الخلق) وقال تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم}، إلى آخر الآيات(1) (مع ما تقدم) والظاهر أن الأخبار المخالفه لصرايح القرآن لا تقبل ولا سيما في هذا الشأن ولو أخرجه من كان وكيف كان قالوا (القضاء والقدر والعلم لنا ) في تعريفها (القضاء والقدر: الإحاطة بالصور المعنوية فهو) وإن أحاط بالمعنويه فلا يستلزم وجودها في عالم الحس بل في عالم الأمر فلا يتوهم أنهما موجبان للجبر وذلك لأن القضاء والقدر (يتعلقان أيضا ب) الصور (المعنوية كما يتعلق بالصور الحسية وقد صرح به قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} وصح عنه (ص) أن الدعاء يرد القضاء) وغير ذلك كتابا وسنة (على أن لا تلازم بين الوجودين) المعنوي والحسي (كليا ) فكلما وجد أحدهما وجد الآخر (وإن كان الحسي ) أي الصور الحسية (يستلزم) وجوده (المعنوي فلا عكس) وهو أن المعنوي يستلزم الحسي فلا يوجد فيه إلا ما وجد في الحسي (وذلك ظاهر بالمقايسة على أفعال القوى النفسانية فليس كلما وجد في النفس وجد في الخارج لا العكس) فكلما وجد في الخارج عمدا فقد وجد في النفس وهذا ظاهر (أوكان التعلق بالصور (مطلقا) معنوية كانت أو حسية (فعلم) فإذن العلم أعم من القضاء والقدر وهذا تعريف ورد على أنه لو كان للعلم تأثير في الخارج لأوجب أثرا في أفعالنا الماضية مع العلم بها وكلما تجدد العلم تجدد الأثر مع أن تحصيل الحاصل محال.
পৃষ্ঠা ২০