تفسير التبيان ج1
واما الناسخ فهو كل دليل شرعي يدل على زوال مثل الحكم الثابت بالنص الاول في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتا بالنص الاول مع تراخيه عنه.
اعتبرنا دليل الشرع لان دليل العقل اذا دل على زوال مثل الحكم الثابت بالنص الاول لايسمى نسخا. ألا ترى أن المكلف للعبادات، اذا عجز اوزال عقله، زالت عنه العبادة بحكم العقل، ولايسمى ذلك الدليل ناسخا؟ واعتبرنا زوال مثل الحكم، ولم نعتبر الحكم نفسه لانه لايجوز أن ينسخ نفس ما أمر به، لان ذلك يؤدي إلى البداء.
وانما اعتبرنا أن يكون الحكم ثابتا بنص شرعي، لان ما ثبت بالعقل اذا أزاله الشرع لا يسمى بأنه نسخ حكم العقل. ألا ترى أن الصلاة والطواف لولا الشرع لكان قبيحا فعله في العقل واذ اورد الشرع بهما لا يقال نسخ حكم العقل؟ واعتبرنا مع تراخيه عنه لان ما يقترن به لا يسمى نسخا وربما يكون تخصيصا ان كان اللفظ عاما او مقيدا ان كان اللفظ خاصا ألا ترى أنه لو قال: اقتلوا المشركين الا اليهود لم يكن قوله إلا اليهود نسخا لقوله اقتلوا المشركين؟ وكذا لو قال: فسيحوا في الارض اربعة اشهر فقيد بهذه الغاية لا يقال لما بعدها نسخ.
وكذا لما قال قي آية الزنا: فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة(1) لا يقال لما زاد عليه منسوخ لانه مقيد في اللفظ والنسخ يصح دخوله في الامر والنهي بلا خلاف. والخبر ان تناول ما يصح تغييره عن صفة جاز دخول النسخ فيه لانه في معنى الامر.
ألا ترى أن قوله: (ولله على الناس حج البيت)(2) خبر؟ وقوله (والمطلقات يتربصن بانفسهن)(3) أيضا خبر؟ وكذلك قوله: (ومن دخله كان آمنا)(4) بر ومع ذلك يصح دخول النسخ فيه فاما ما لا يصح تغييره عن صفة فلا يصح دخول النسخ فيه، نحو الاخبار عن صفات الله تعالى، وصفات الاجناس
---
(1) سورة النور آية 2.
(2) سورة آل عمران آية 97.
(3) سورة البقرة آية 228.
(4) سورة آل عمران آية 97.
পৃষ্ঠা ১২