أتتعلم أن تجهلنا نحن أيضا ونحن كل ما بقي لها؟ أم تتعلم قراءة لغة أخرى وكتابتها فلا نستطيع التفاهم معها؟ - إذن فماذا تريدين؟ - أريد شيئين، أريد بنتا كبيرة بعض الشيء ترافقها وتحاول أن تلهيها وتؤدي لها ما تحتاج إليه، وأريد أن تبحث عن وسيلة لتستأنف تعليمها، فهي تعرف الحروف، وكانت قد ابتدأت تتعلم الهجاء. فلنحاول أن ننتفع بهذا القليل الذي تعلمته لعلها تستطيع القراءة فتفهم ما لا نستطيع إفهامه لها بالكلام. - أمرك. - تعليم فايزة أهم من تعليم محسن نفسه. فايزة ستظل وحيدة العمر كله.
وأطرق عزت في حزن مرير وهو يقول: نعم، أعرف هذا. - لا بد أن نواجه الحقيقة، نحن نعرف أنها لن تتزوج ولن يكون لها بيت إلا هذا البيت، فلا بد أن تفهم حتى تستطيع أن تعيش. - نعم يا إجلال، أنا أدرك هذا تماما، ربنا يوفقنا إن شاء الله. - سبحانه ليس لنا إلا هو. •••
كان بيت عزت واجما جامدا لا يخطئ من يدخله أمره، هو بيت ينضم على كارثة. نجح محسن في الامتحان ونجح معه خيري، ولكن خبر النجاح مر بالبيت عابرا عجلا لم تستقبله إلا ابتسامة باهتة. بل إن بيت خيري نفسه لم يستطع أن يفرح بنجاح ابنه البكر الذي صاحب هذه المصيبة التي ألمت بعائلة عزت.
بل إن خيري نفسه لم يفرح بنجاحه كما كان يقدر لنفسه أن يفرح. فما كان هناك من سبيل أن يتحقق أمله الكبير في هذه الأيام الأولى من الفاجعة. وما استطاعت نفسه أن تفرح وهو يرى إلف هواه حزينة أسيفة. نجح الشابان ولكنهما استقبلا نجاحهما استقبالا فاترا هادئا لا نبض فيه ولا حياة.
وقد استقر خيري في بيت عزت بك لا يبرحه، يرافق محسن أينما ذهب لا يتركه إلا عند الليل، وكانا يقضيان أغلب وقتهما في البيت. وكانت وفية تجلس إليهما في كثير من الأحيان، وكثيرا ما خلا خيري إلى وفية، ولكن لا حديث إلا عن فايزة ما تقول وما تفعل وما سيفعلان بها، وكيف يقضي عزت بك وقته، وكيف تحيا إجلال هانم حياتها. خيمت التعاسة على البيت جميعه، وإن كان نبض الحب لا يزال قويا في القلبين الصغيرين إلا أنه نبض لا يجاوز القلب إلا في نظرة وامضة، أو دمعة مشفقة يتبادلها الحبيبان.
كان خيري ومحسن يجلسان في حجرة المكتب حين قدم إليهما الأستاذ حامد. حياهما وجلس صامتا وهما صامتان، ثم لم يلبث أن قال: لا أعرف ماذا أقول يا محسن، هل أقول مبروك أو أقول الله معكم؟
وقال محسن في ألم: والله يا أستاذ نحن في أشد الحاجة إلى عون الله. - لم أعرف إلا الآن، فقد مررت ببيت خيري فوجدت يسري وهو الذي أخبرني.
وأراد خيري أن يغير الموضوع فقال: متى تسافر يا أستاذ حامد؟ - الأسبوع القادم إن شاء الله. - بالسلامة. - سلمك الله، سأكتب لكم دائما. - هل ستغيب هناك؟ - والله حسب الظروف، سأبقى ما استطعت البقاء.
وقال خيري: والست والدتك وأختك هل ستقيمان في نفس البيت؟ - طبعا، البيت إيجاره رخيص. - لا تشغل بهما، فسأزورهما دائما، وأرى إن كانتا تحتاجان إلى شيء، اعتبرني أخاك. - أنا أعرف يا خيري مقدار وفائك، وأنا معتمد عليك كأخ وكصديق.
وقال محسن: هذا أقل ما يجب يا أستاذ حامد. نحن لا ننسى معروفك. - بل أنا الذي لا ينسى معروفكم أبدا، أنتم لا تعرفون أثركم في حياتي لأنكم تعودتم أن تجيبوا طلبات الناس، هي عندكم رجاءات تبذلون جهدكم في تحقيقها. أما عند كل فرد تحققون رجاءه فهي مستقبله وحياته، وربنا لن يضيع أجركم أبدا يا محسن. - هيه يا أستاذ. - لا، لا تيأس، لكل ضيق فرج. - ألف شكر يا أستاذ، طبعا أنت تعرف أننا على استعداد لأي طلب تريده قبل السفر. السفر طلباته كثيرة وقد تكون فوجئت به، فإن كنت تريد سلفة فنحن طبعا أخواك ونحن ...
অজানা পৃষ্ঠা