182

أصول الدعوة - جامعة المدينة

أصول الدعوة - جامعة المدينة

প্রকাশক

جامعة المدينة العالمية

জনগুলি

بالسيجارة التي أشعلها في محاضرته وهي تصرخ في الناس تقول: لا تصدقوه؛ لو كان صادقًا في قوله ما كذب في فعله. إن سلوك الداعية هو الصورة الحية العملية لدعوته، يراها الناس في سكونه وحركته ووقوفه ومشيته وبكائه وضحكه، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: ٢١)، إن القدوة العملية تُصيب من قلوب الناس أكثر مما تصيب الكلمة مهما كانت الكلمة طيبة وجيدة ومؤثرة، ولقد حدث ذلك مع رسول الله ﷺ حين أمر أصحابه بعد صلح الحديبية أن يتحلّلوا من العمرة بنحر الهدي وحلق الرءوس، يقول ابن القيم: "فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ﷺ لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا»، فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة ﵂ فذكر ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول الله أتحب ذلك، أتحب أن ينحر الناس هديهم ويحلقوا رءوسهم؟ قال: «نعم» قالت: فاخرج إليهم، ثم لا تكلم أحدًا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمّا". حين نتأمل في هذه الواقعة نلاحظ أن رسول الله ﷺ وهو من هو أمر أصحابه بالنحر ثم الحلق، فلم يستجب أحد، وكرّر الأمر عليهم ثلاثًا، ولم يفعل أحدٌ شيئًا مما دعاهم إليه، فلما أشارت إليه أم سلمة ﵂ بما أشارت به؛ أن يخرج هو فينحر بدنه ويحلق رأسه، ورأوا ذلك منه ﷺ بادروا إلى النحر والحلق؛ اقتضاءً بفعله ﷺ، وهكذا نرى أن القدوة العملية تؤثر في الناس مع الصمت أكثر مما

1 / 201