وهذا هو الشرك الأكبر، وهو الذي قال الله فيه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ١. وقال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٢. وقال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون﴾ ٣.
وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾ ٤. والآيات في النهي عن هذا الشرك وبيان بطلانه كثيرة جدًا.
الثاني: الشرك الأصغر، كيسير الرياء والتصنع للمخلوق، وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب المنْزلة والْجاه عند الخلق تارة، فله من عمله نصيب، ولغيره منه نصيب، ويتبع هذا النوعَ الشركُ بالله في الألفاظ، كالْحلفِ بغير الله وقول: ما شاء الله وشئت، ومالي إلا الله وأنت، وأنا في حسب الله وحسبك، ونحوه. وقد يكون ذلك شركا أكبر بحسب حال قائله ومقصده. هذا حاصل كلام ابن القيم وغيره.
وقد استوفى المصنف ﵀ بيان جنس العبادة التي يجب إخلاصها لله بالتنبيه على بعض أنواعها، وبيان ما يضادُّها من الشرك بالله تعالى في العبادات والإرادات والألفاظ، كما سيمر بك - إن شاء الله تعالى - مفصلا في هذا الكتاب، فالله تعالى يرحمه ويرضى عنه.
فإن قلت: هلا أتى المصنف ﵀ بخطبة تنبئ عن مقصده، كما صنع غيره؟
قيل: كأنه - والله أعلم - اكتفى بدلالة الترجمة الأولى على مقصوده، فإنه صدره بقوله: (كتاب التوحيد) وبالآيات التي ذكرها وما يتبعها، مما يدل على مقصوده، فكأنه قال: قصدت جمعَ أنواع توحيد الإلهية التي وقع أكثر الناس في الإشراك فيها وهم لا يشعرون، وبيان شيء مما يضاد ذلك من أنواع الشرك، فاكتفى
_________
١ سورة النساء آية: ٣٦.
٢ سورة النحل آية: ٣٦.
٣ سورة يونس آية: ١٨.
٤ سورة السجدة آية: ٤.
1 / 28