يتطرق إليه الخطأ بحال، بل واجب على الخلق اتباعه في كل زمان، على أنه لو أجمع المتأخرون على جواز هذا لم يعتد بإجماعهم المخالف لكلام الله وكلام رسوله في محل النّزاع، لأنه إجماع غير معصوم، بل هو من زلة العالم التي حُذِّرْنَا من اتباعها، وأما الإجماع المعصوم، فهو إجماع الصحابة والتابعين وما وافقه، وهو السواد الأعظم الذي ورد الحث على اتباعه وإن لم يكن عليه إلا الغرباء الذين أخبر بهم ﷺ في قوله: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء" ١ رواه مسلم، لا ما كان عليه العوام والطغام، والخلف المتأخرون الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.
[النفع والضر من الله وحده]
قال: وقول الله تعالى: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ...﴾ ٢.
ش: قال ابن عطية: معناه قيل لي: ولا تدع، فهو عطف على "أقم" وهذا الأمر والمخاطبة للنبي ﷺ إذا كانت هكذا، فأحرى أن يحذر من ذلك غيره.
وقال غيره: ﴿فَإِنْ فَعَلْتَ﴾ معناه: فإن دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فكنى عنه بالفعل إيجازًا، ﴿فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، إذًا جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر، كأن سائلًا سأل عن تبعة عبادة الأوثان، وجُعِلَ من الظالمين، لأنه لا ظلم أعظم من الشرك ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ٣.
قلت: حاصل كلام المفسرين أن الله تعالى نهى رسوله ﷺ أن يدعو من دونه ما لا ينفعه ولا يضره، والمراد به كل ما سوى الله، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون وسواء في ذلك الأنبياء والصالحون وغيرهم، كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ ٤. وقال النبي ﷺ لابن عباس: "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك