الجميلة المستتبعة للمدح شرعا وعقلا وشرفا وَلَعَلَّ الْمُرُوءَة بِهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ من قَالَ
(مَرَرْت على الْمُرُوءَة وَهِي تبْكي ... فَقلت على مَا تنتحب الفتاة)
(فَقَالَت كَيفَ لَا أبْكِي وَأَهلي ... جَمِيعًا دون كل الْخلق مَاتُوا)
وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء الْمُرُوءَة صون النَّفس عَن الأدناس ورفعها عَمَّا يشين عِنْد النَّاس وَقيل سير الْمَرْء بسيره أَمْثَاله فِي زَمَانه
فَمن ترك الْمُرُوءَة لبس الْفَقِيه القباء والقلنسوة وتررده فيهمَا بَين النَّاس فِي الْبِلَاد الَّتِي لم تجر عَادَة الْفُقَهَاء بلبسهما فِيهِ وَمِنْه الْمَشْي فِي الْأَسْوَاق مَكْشُوف الرَّأْس حَيْثُ لَا يعْتَاد ذَلِك وَلَا يَلِيق بِمثلِهِ وَمِنْه مد الرجلَيْن فِي مجَالِس النَّاس وَمِنْه نقل الرجل الْمُعْتَبر المَاء والأطعمة إِلَى بَيته إِذا كَانَ عَن بخل وشح وَإِن كَانَ عَن تواضع واقتداء بالسلف لم يقْدَح ذَلِك فِي الْمُرُوءَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ يَأْكُل مَا يجد وَيَأْكُل حَيْثُ يجد زهدا وتنزها عَن التكلفات الْمُعْتَادَة وَيعرف ذَلِك بقرائن الْأَحْوَال
وَإِنَّمَا لَا تقبل شَهَادَة من أخل بالمروءة لِأَن الْإِخْلَال بهَا يكون إِمَّا لخبل فِي الْعقل أَو لنُقْصَان فِي الدّين أَو لقلَّة حَيَاء وكل ذَلِك رَافع للثقة بقوله
وَلم يتَعَرَّض كثير من عُلَمَاء الْأُصُول لذكر الْمُرُوءَة لِأَن المخل بِشَيْء مِمَّا يتَعَلَّق بهَا إِن كَانَ إخلاله بِهِ مِمَّا يرفع الثِّقَة بقوله فقد احترزوا عَنهُ وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يرفع الثِّقَة بقوله لم يضر قَالَ بَعضهم الْعَدَالَة الاسْتقَامَة وَلَيْسَ لكَمَال الاسْتقَامَة حد يُوقف عِنْده فَاعْتبر فِيهَا أَمر وَاحِد وَهُوَ رُجْحَان جِهَة الدّين وَالْعقل على طَرِيق الشَّهْوَة والهوى فَمن ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته وَقل الوثوق بقوله وَكَذَلِكَ من أصر على صَغِيرَة فَأَما من أَتَى بِشَيْء من الصَّغَائِر من غير إِصْرَار فَعدل بِلَا شُبْهَة
وللمحقق ابْن تَيْمِية مقَالَة فِي الْعَدَالَة والدل جرى فِيهَا على مَنْهَج من يَقُول برعاية الْمصَالح الْأَحْكَام قَالَ الْعدْل فِي كل زمَان وَمَكَان وَقوم بِحَسبِهِ فَيكون الشَّاهِد فِي كل قوم من كَانَ ذَا عدل فيهم وَإِن كَانَ لَو كَانَ فِي غَيرهم كَانَ عدله على
1 / 98